خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ
٢٨
قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٩
يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ
٣٠
قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٣١
قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ
٣٢
-آل عمران

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن أهل العناية من حافظي الولاية بقوله تعالى: { لاَّ يَتَّخِذِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 28]، الإشارة في الآيتين: لا يتخذ المؤمنون الكافرون { أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران: 28]؛ أي: من إمارة الإيمان أن لا يمكن للمؤمن من سؤالات الكفار ومودتهم؛ لأنهم أوثق عدوى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وإن مودة الكفار وموالاتهم كفر، كما أن الرضاء بالكفر كفر، والضدان لا يجتمعان، فلا يجتمع في قلب المؤمن حب الله ورسوله والمؤمنين وحب الكافرين أبداً؛ لقوله تعالى: { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } [آل عمران: 28]؛ يعني: من يتخذ الكافرين أولياء { فَلَيْسَ مِنَ ٱللَّهِ فِي شَيْءٍ } [آل عمران: 28]؛ أي: من محبة الله في شيء، وفيه إشارة أخرى: إن القلب المؤمن؛ هو الذي لا يتخذ الكافرين من النفس الأمارة والشيطان والهوى والدنيا أولياء من دون المؤمنين، من الروح والسر وصفاتهما، { وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ } [آل عمران: 28]، قلب من القلوب؛ فليس ذلك القلب من الله من أنواره وألطافه ومواهبه ونظر عنايته ورحمته في شيء، { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَـٰةً } [آل عمران: 28]؛ يعني: إلا أن تخافوا من هلاك النفوس؛ هي مركب الروح، فرجوعها إلى الحضرة الربوبية تسير إلى الحق فيواسيها ويداريها؛ لئلا يعجز عن السير في الرجوع ويهلك في الطريق من كثرة معادات القلب ومخالفة هواها وشدة ارتياحها، { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28]؛ أي: ذاته، والمراد منه: صفات قهره؛ لأن ذاته تعالى موصوف بصفات اللطف وصفات القهر، والتحذير لا يكون إلا من صفات القهر، والإشارة فيها: إن موالاة النفس معاداة الحق، فمن كان حاله معاداة الحق فلا بد من المصير إليه، ففي يوم يكون { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } [آل عمران: 28]، لا خفي من الله إلا القهر والعداوات، ولا يخطئ منه إلا بعذاب البعد وعقاب الهجران.
{ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ } [آل عمران: 29]، من معاداة الحق في ضمن موالاة النفس بدعوى الإيمان والإسلام وسلام محبته، { أَوْ تُبْدُوهُ } [آل عمران: 29]، بمخالفات أوامره ونواهيه، وموافقات دواعي النفس وشهواتها ومتابعة هواها، { يَعْلَمْهُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 29]، بالقليل والكثير، والنفير والقطمير، { وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [آل عمران: 29]، قلوبكم من موالاة النفس ومعاداة الحق { وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 29]، نفوسكم من مخالفات الحق وموافقات الهوى، فيجازيكم على قدر الموالاة والمعاداة بقوله تعالى: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً } [آل عمران: 30]، إشارة في الآية: إن يوم القيامة { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوۤءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } [آل عمران: 30]، أثره في ذاتها وصفاتها، كان محجوباً بحجاب الغفلة، لم تكن تجده محضراً معها، فإذا كشف عنه الحجاب تجده حاضراً معها، كما قال تعالى:
{ { لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } [ق: 22]، وقال تعالى: { { وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِراً } [الكهف: 49]، فمن عمل اليوم خيراً يؤثر نور ذلك الخير في قلبه فيض وجه قلبه، ومن عمل شراً يؤثر ظلمة ذلك الشر في قلبه فيسود وجهه؛ { فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا } [ق: 22]، فيكون وجوه أهل الخير بلون قلوبهم، كما قال تعالى: { { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } [آل عمران: 106]، وجوه أهل الشر تكون بلون قلوبهم، كما قال تعالى: { { وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [آل عمران: 106]، فإن حية الكفر لدغتهم وهم في غفلة الناس نيام، فلم يذوقوا عذابها، فلما ماتوا انتبهوا، قيل لهم: { { فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } [آل عمران: 106]، لعلك تنتبه { وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ } [آل عمران: 30]، فمن رأفته مع عباده يحذرهم نفسه؛ أي: يحذرهم أعمالاً وأحوالاً تمنعهم عن الوصول إليه، وينذرهم إكراماً عن رأفته المخصوصة بعباده الواصلين إليه.
ثم أخبر عن طريق الوصول أنه متابعة الرسول بقوله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31]، والسر فيه: إن المؤمن من يكون أشد حباً لله عما سواه، والحب على قدر محبته يتبع النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى قدر إتباع المحبة يحبه الله؛ يعني: فالإتباع ثلاث درجات، ولمحبة الله للمحب التابع على حسب الإتباع ثلاث درجات:
فأما درجات الاتباع الأولى: درجة العوام المؤمنين؛ وهي متابعة أفعاله صلى الله عليه وسلم، والثانية: خواص المؤمنين؛ وهي متابعة أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
والثالثة: أخص الخواص؛ وهي متابعة أحواله صلى الله عليه وسلم.
أما درجات محبة المحب:
فالأولى: محبة العوام؛ وهي مطالعة المنة من رؤية الحسان المحسن، كقوله صلى الله عليه وسلم:
"جبلت القلوب على حب من أحسن إليها" ، وهذا حب يتغير بتغير الإحسان، وهو من باب الأفعال المتابع الأعمال؛ وهم يطمعون أجراً على ما يحتملون من نتائج الحب، قال أبو الطيب ثم أخبر:

ضعيف الهوى يرجى عليه ثواب وما أنا بالباغي على الحب رشوة

والثانية: محبة الخواص؛ وهي محبة تنشأ من مطالعة شواهد الكمال عند تجلي صفات الجلال والجمال، وهذه محبة المقربين يحبون إعظاماً وإجلالاً له؛ لاطلاعهم على كمال جماله وعظمة صفات كماله وهذا حب التعظيم والإجلال لوجه الله تعالى، فذلك هو الباقي على الأبد لبقاء الصفات على السرمد، ويزيد بازدياد المعرفة، قالت رابعة العدوية:

أحبك حبين حب الهوى وحباً لأنك أهل لذاكا

وهذه المحبة هي التي تبعث على إيثار الحق تعالى على غيره، لما يتجلى له من معاني صفات في مدارج آياته؛ وهي لنبع أخلاقه صلى الله عليه وسلم فيضبط هذا المحب في هذه الدرجة إلى إطراح ذكر غير الله عن قلبه، متقلباً بين النظر إلى جماله مرة وإلى جلاله أخرى، لهجاً بلسانه بذكره موقوفة أعضاؤه على تعبده إجلالاً وإعظاماً، سأعبد الله لا أرجوا توبة لكن تعبد إعظام وإجلال.
والثالثة: محبة أخص الخواص؛ وهي غاية القصوى للعبد ولا غاية لها، وهي محبة حافظة تقطع العبارة وترفق الإشارة ولا تنتهي بالنعوت، وهذا بخلاف المحبين الأولين إذ ليست هذه منشأة عن رؤية النعم والإحسان التي من باب الأفعال، ولا من رؤية الصفات من الجمال والجلال؛ بل جذبة من جذبات الحق المنشأة من المحبة القديمة في سر "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف، فخلقت الخلق؛ لأعرف"، وأهل هذه المحبة هم: المستعدون لكمال المعرفة بسبق العناية، كما قال تعالى:
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [الأنبياء: 101]، وقد سمي الله تعالى محبته لهم في الأزل بلا علة بالحسنى منه في حقهم، وقال مخبراً عن محبته الأزلية لهم: { { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54]، إشارة منهم إلى: إنهم ما أحبوه حتى أحبهم هو أزلاً، فمحبتهم له لمحبته لهم، وذلك أن محبته لهم في الأزل من غير علة، فلما استخرجهم من ظهر آدم تجلت محبته على قلوبهم، فجذبتها عنهم إليه وأفنتهم عن أنفسهم، فدخلوا الدنيا على ترك الصفة.
قال بعضهم: غُذِينَا بالمحبة يوم قالت له الدنيا:
{ { أَتَيْنَا طَآئِعِينَ } [فصلت: 11].
وحقيقة المحبة: أن تفني المحب بسطوتها وتبقي المحبة منه بلا هو، كما أن النار تنقي الحطب بسطوتها وتبقى النار بلا هو، فإن المحبة نار
{ لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } [المدثر: 28]، وأما درجات محبة الله للعبد؛ فاعلم: أن كل صفة من صفات الله تعالى من العلم والقدرة والإرادة وغيرها، وإن اتفقت في أسماء صفات خلقه فلا يشبه حقيقتها أوصاف الخلق البتة، حتى الوجود الذي يعم الخلق والمخلوق جميعاً وذلك؛ لأن الوجود الخلق عن عدم ووجود الخالق واجب لنفسه، ووجود كل ما سواه [مستمد] منه، ومن وفق النظر على أن ليس في الكون إلا الله وأفعاله حسنة وكأنه ليس في الوجود شيء ثابت إلا هو وحده، قرأ القارئ بين يدي الشيخ أبي سعيد بن أبي الخير -رحمه الله - قوله تعالى: { { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54]، فقال: بحق يحبهم؛ لأنه لا يحب إلا نفسه؛ على معنى أن ليس في الكون إلا هو وما سواه فهو من صنعه، والصانع إذا مدح صنعه فقد مدح نفسه فإذاً لا تتجاوز المحبة نفسه قائمة بنفسها، وما سواه قائم به فهو لا يحب إلا نفسه، فإذا عرفت هذا فاعلم أن محبة الله تعالى للخلق عائدة إليه حقيقة، إلا أنه كان قمرها على الخلق فيجب تعلقها بالعام والخاص، وأخضر أنبت لكل صنف منهم سعادة يخطى بها عند مرورها عليه، إلا أن تنتهي إلى محلها الذي صدرت منه، فيكون المحبة والمحب والمحبوب، واحداً فصدرت المحبة عن محل "كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فمررت على فخلقت الخلق؛ لأعرف"، فما تعلقت إلا بأهل المعرفة؛ وهم المخصوصون بالأنعام، كما قال تعالى: { { فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ... } [النساء: 69]، فتعلقت بالعام من أهل المعرفة بالرحمة ومشربهم الأعمال، فقيل لهم: { فَٱتَّبِعُونِي } [آل عمران: 31]، بالأعمال الصالحة { يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31]، يخصصكم الله بالرحمة { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران: 31]، التي صدرت منكم على خلاف المتابعة { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } [آل عمران: 31]، لمن أطاعه { رَّحِيمٌ } [آل عمران: 31]، لمن يعصيه، وتعلقت بالخاص من أهل المعرفة بالفضل ومشربهم الأخلاق، فقيل: { فَٱتَّبِعُونِي } [آل عمران: 31]، بمكارم الأخلاق يحببكم بالفضل، يخفيكم بتجلي صفات الجمال والكمال، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران: 31]، يستر ظلمة صفاتكم بأنوار صفاته، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران: 31]، ستور بصفاته صفات أهل رحمة، وتعلقت بالأخص من أهل المعرفة بالجذبات الإلهية ومشربهم الأحوال، فقيل لهم: { فَٱتَّبِعُونِي } [آل عمران: 31]، ببذل الوجود ويحييكم الله بجذبات المحبة الأزلية، يخصكم بتجلي صفات الجلال، ويجذبكم عنكم به الله، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } [آل عمران: 31]، ويستر بجوده ذنوب وجودكم، فينجوكم عنكم ويثبتكم به، كما قال: "فإذا أحببته، كنت له سمعاً وبصراً ولساناً ويداً، بيِّ يبصر، وبيِّ يتعلق وبيِّ يبطش"، ويكون العبد في هذا المقام مرآة كمال لطفه وقهره، فكما أن الرائي في المرآة يشاهد صفاته بصفاته وذاته بذاته، فيكون الرائي والرؤية والمرئي واحد، فكذلك يكون في هذا المقام المحب والمحبة والمحبوب واحد، والعارف والمعرفة والمعروف واحد، فهو المحب العارف والمحبوب المعروفة؛ أي: الذي أحب أن يعرف فأحب نفسه بمحبته، وعرف نفسه بمعرفته، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [آل عمران: 31]، ستور صداً مرآة المحبين والعارفين برحمته، فمن نظر به جمال صفاته و[من شهد] به جلال ذاته، { فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ } [الشعراء: 225]، وكل بارقة يسيمون تدور رحى الحزن على دموعهم، وتفور نار الشوق بين ضلوعهم، فضلوا عن أنفسهم ببقاء المحبوب، وفقدوا طلبهم بوجدان المطلوب، فهم بين روض المحو وغدير الإثبات أموات غير أحياء، أحياء غير أموات، فطوراً يرونه فيطربون عند الكشف والتجلي، وتارة يخشونه فيهربون عند الحجب والستر، فكيف الطرب ولا مطرب؟ إلى أين الهرب ولا مهرب؟
{ قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ } [آل عمران: 32]؛ ليكون مهربكم ومقربكم إلى الله في متابعة الرسول، فإن متابعة صورة جذبه الحق وصدق رد محبته لكم، { فإِن تَوَلَّوْاْ } [آل عمران: 32] عن متابعة المحبوب { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ } [آل عمران: 32]؛ يعني: لا يوجد ذرة محبة في صدق المخالفة، إلا في صدق المتابعة.