خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ
١٣
وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ
١٤
وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٥
يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ
١٦
-لقمان

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ } [لقمان: 13] الروح لابنه وهو السر المتولد من ازدواج الروح والقلب { وَهُوَ يَعِظُهُ } [لقمان: 13] أي: لا يتصف بصفات النفس وأن من صفاتها الشرك فإنها تعبد الهوى والشيطان والدنيا فقال: { يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ } [لقمان: 13] بالالتفات إلى الدارين وما فيهما، { إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] على نفس المشرك لا على الله تعالى؛ وضع شيئاً من المخلوقات بتعبده موضع تعبد الحق تعالى فأعرض عن الحق بالتوجه إلى ذلك الشيء وفوت على نفسه الوصول إلى التوحيد عند طلب الوصول إلى ما أشرك به، فأي ظلم أعظم على النفس من فواتها الوصول إلى التوحيد واتصالها بالشرك.
{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ } [لقمان: 14] يشير به إلى السر بوالديه وهما الروح والقلب { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ } [لقمان: 14] وهي القلب، { وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ } [لقمان: 14] تعباً على تعب وجهاداً على جهاد، يعني: على النفس عند حمل ولد السر لئلا يوصل إلى مشام القلب رائحة مشتهياتها فيسقط جنين السر وجهاد آخر عند وضع حمل السر لئلا يذبحه فإنها كفرعون لموسى السر؛ لأن هلاكها يكون على يده وبقوله: { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ } [لقمان: 14] يشير إلى فطامه من مألوفات الدارين فإنه هو معدن الإخلاص الذي هو سر بينه وبين الله لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل، { أَنِ ٱشْكُرْ لِي } [لقمان: 14] إذ أنعمت عليك بأن أجعلك مخزن أسراري { وَلِوَالِدَيْكَ } [لقمان: 14] إذ أنعما عليك بحسن { إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ } [لقمان: 14] أي: ليكون مرجعكم إليَّ في جميع الحالات لا إلى غيري.
وبقوله: { وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا } [لقمان: 15] يشير إلى أن الروح طبيعة روحانية لو خلى إلى طبيعة يتعلق بمستحسنات طبعه من الروحانيات الأخرويات وأن القلب وإن لم يكن له طبيعة خاصة يتعلق بها؛ ولكنه قابل لطبيعة الروح وطبيعة النفس، فتارة يميل إلى الآخرة بتبعية الروح وتارة يميل إلى الدنيا بتبعية النفس، وكلتاهما الطاغوت وللسر طبيعة الإخلاص لو خلى إلى طبعه فيقول: { وَإِن جَاهَدَاكَ } والد الروح ووالدة القلب على أن يتعلق بشيء من الدارين لا على طبيعتك وهي الإخلاص في التوحيد { فَلاَ تُطِعْهُمَا } فتكون مشركاً وفي هذا المعنى إشارة لطيفة وهي أن للروح والقلب تكون فترات وأحوال مختلفة بحسب الأوقات تزل قدمها عن صراط التوحيد فعلاً وصفةً، فإذا كان السر محفوظاً على طبعه من الإخلاص في التوحيد فيرجعان سريعاً إلى طبع السر في التوحيد، وإن تغير السر عن طبيعته من الإخلاص في التوحيد فذلك المصيبة العظمى وفي التدارك وإصلاح حاله إمكان بعيد وإن كان الروح والقلب والنفس والبدن كل واحد منهم يقوم بأداء ما يجب عليه من الشرع والعقل لا ينفعهم من فساد حال السر فافهم جدّاً.
وهذا حال بعض المتعلمين لعلم الأصول والمعقولات عند تطرف الشكوك في أسرارهم ويتغير بها إخلاص التوحيد في أسرارهم بحسبان تحصيل التوحيد بطريق الاستدلال بالشبهات المعقولة
{ { وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف: 104] وكذلك حال بعض الفقراء الذين لا يتمسكون بذيل إرادة شيخ واصل ويلازمون صحبته ويستسلمون إليه ليربيهم على قاعدة الطريقة، وقانون الشريعة بل يدورون في العالم متابعي الهوى ويتلقون بعضهم في بعض كلمات من الطامات والخيالات الفاسدة، ويتوهمون من أسرار الشيوخ وكلماتهم في التوحيد في المعرفة معانٍ توقعهم في الكفر والإلحاد لأن أكثرهم يتركون ما أوجب عليهم الشرع من التكاليف على حسبان أنهم أهل عرفان في مقام الوحدة.
ثم قال: { وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً } [لقمان: 15] وذلك أن في الدنيا للروح والقلب ليس بد من القيام بالوحدة ثم بمصالح دنيوية لقوام البدن وتحصيل أسباب التعيش في بعض الأوقات ولا يمكنها ذلك إلا بموافقة السر فهو مأمورها بالمعروف أي: بحيث ألا يخل بحاله من الإخلاص { وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ } [لقمان: 15] وهي الخفاء الذي هو واسطة بين الروح والحق تعالى ومن طبعه الإنابة إلى الحضرة، { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ } [لقمان: 15] بطريق مجازاة كل واحد منكم، { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [لقمان: 15] من الخير والشر.
ثم أخبر عن دقائق الحكمة وحقائقها بقوله: { يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ } [لقمان: 16] يشير إلى المقسومات الأزلية من الأرزاق والأخلاق الإنسانية والمواهب الإلهية، { إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } [لقمان: 16] في الصورة والمعنى، { أَوْ فِي ٱلأَرْضِ } [لقمان: 16] في الصورة والمعنى { يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ } [لقمان: 16] لمن قدر له وقسم من أسباب السعادة والشقاوة إن شاء بطريق كسب العبد وإن شاء
{ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } [الطلاق: 2] في حصولها { مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ } [الطلاق: 2]، { إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ } [لقمان: 16] بعباده { خَبِيرٌ } [لقمان: 16] بإتيان ما قسم لهم بلطف ربوبيته فالواجب على العبد أن يثق بوعده ويتكل على كرمه فيما قدر له ويسعى إلى القيام بعبوديته.