خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
١٢
وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
١٣
فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٤
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ
١٥
-السجدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن وصف المجرمين المحرومين بقوله: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ } [السجدة: 12] يشير إلى أهل الدنيا من المجرمين، وكان جرمهم أنهم نكسوا رءوسهم في أهل الدنيا وشهواتها بعد أن خلقوا رافعي رءوسهم عند ربهم يوم الميثاق عند سماع خطاب { { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] رفعوا رءوسهم { { قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] ابتلوا بالدنيا وشهواتها وزينتها من الشيطان نكسوا رءوسهم بالطبع فيها، فصاروا كالبهائم والأنعام في طلب شهوات الدنيا.
كما قال تعالى:
{ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179] لأن للأنعام ضلالة طبيعية جبلية في طلب شهوات الدنيا، وما كانوا مأمورين بعبودية الله ومنهيين عن الشهوات لكي تحصل لهم ضلالة مخالفة الأمر والنهي، وللإنسان شركة مع الأنعام في الضلالة الطبيعية بميل النفس إلى الدنيا وشهواتها ولاختصاص بضلالة المخالفة فلهذا صار أضل من الأنعام كما عاشوا ناكسوا رءوسهم إلى شهوات الدنيا ماتوا فيها عاشوا فيه، ثم حشروا على ما ماتوا عليه ناكسوا رءوسهم عند ربهم، وقد ملكتهم الدهشة وغلبتهم الحجة فاعتذروا حين لا عذر واعترفوا ولا حين اعتراف.
{ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا } [السجدة: 12] ما لم نكن نبصر، { وَسَمِعْنَا } [السجدة: 12] ما لم نكن نسمع { فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [السجدة: 12] إنك قادر على توفيقنا للعمل الصالح، ولو شئنا في الأزل هدايتكم وهداية أهل الضلالة { لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا } [السجدة: 13] بإصابة رشاشة النور على الأرواح التي طفت في ظلمة ثم رش عليهم بنوره فمن أصابه ذلك النور فقد اهتدى { وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي } قبل وجود آدم وإبليس، { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [السجدة: 13] ولكن تعلقت المشيئة بإغواء قوم كما تعلقت بإدناء قوم، وإدناء أن يكون للنار قطان كما أردنا أن يكون للدنة سكان إظهاراً لصفات لطفنا وصفات قهرنا؛ لأن الجنة وأهلها مظهر لصفات لطفي والنار وأهلها مظهر لصفات قهري، وإني لفعال لما أريد.
{ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ } [السجدة: 14] يشير إلى أنكم كنتم في نار البعد وعذاب الهجر في الدنيا بما نسيتم لقاءنا ولقاء يومكم هذا، ولكن كنتم في نوم الغفلة والنائم لا يذوق ألم ما عليه من العذاب ما دام كان نائماً، ولكنه إذا انتبه نومه يذوق ألم ما به من العذاب والناس نيام ليس لهم ذوق ما فيهم من العذاب، فإذا ماتوا انتبهوا، فقيل لهم: { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَاكُمْ } [السجدة: 14] من الرحمة كما نسيتمونا من الخدمة { وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [السجدة: 14] الغلو في العصيان والنسيان.
ثم أخبر عن أمان أهل الإيمان بقوله تعالى: { إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً } [السجدة: 15] يشير إلى أن أهل الإيمان الحقيقي شعارهم الخضوع ودثارهم الخشوع بين يدي مولاهم، فإذا ذكروا بآيات الله ودعوا بها إلى الله { خَرُّواْ سُجَّداً } [السجدة: 15] في سرائرهم على تراب التذلل بنعت الذبول وحكم الخمود شاكرين الله بأنهم ذكروا بنعمة ذكروا بآيات الله، وسبحوا بحمد ربهم أي: نزهوا حضرة جلاله عن ألا يحمدوا غيره؛ لأنهم رأوه ولي نعم جميع الموجودات فالحمد لا يليق بأحد إلا به فالواجب على جميع الموجودات حمده على نعمه وثناؤه على كرمه وتحقيق قوله:
{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء: 44] ولكنه تعالى أعز وأعلى قدراً من أن يخرج عن حقيقة حمده وثناء غيره، فلهذا "قال تعالى ليلة المعراج للنبي صلى الله عليه وسلم: اثن عليَّ قال صلى الله عليه وسلم: لا أحصي ثناء عليك، ثم أثنى عليه فقال: أنت كما أثنيت على نفسك يعني: قولك { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الفاتحة: 2] هو ثناء على نفسك" { { وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } [النحل: 49] في سجودك، كما استكبر إبليس أن يسجد لك إلى قبلة آدم، ولو سجد له بأمرك لكان سجوده في الحقيقة لك، وكان آدم قبلة للسجود كما أن الكعبة قبلة لنا في سجودنا لك.