خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً
١٢
وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً
١٣
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً
١٤
وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً
١٥
قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
١٦
-الأحزاب

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ومن قوله: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ } [الأحزاب: 12] إلى قوله: { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } [الأحزاب: 14]، وتمام الآية: { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً * وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَٱرْجِعُواْ وَيَسْتَئْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً } [الأحزاب: 12-14] يشير إلى مرض القلوب وصحة النفوس وجأشهما إذا وكلتا إلى حالتيهما من فساد الاعتقاد وسوء الظن بالله ورسوله ونقض العهود والاغترار بتسويلات الشياطين والفرار من معادن الصدق والتمسك بالحيل والمكائد والكذب والتعلل بالأعذار الواهية، فغلبات الخوف البشرية والجبانة وقلة اليقين والصبر وكثرة الريب والجزع، وعند احتمال خطر الأذية لو سئلوا الارتداد عن الإسلام والإشراك بعد الإقرار بالتوحيد أجابوهم وجاءوا به { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ } [الأحزاب: 14] يعني في الاحتراز عن الوقوع في الفتنة { إِلاَّ يَسِيراً } [الأحزاب: 14] بل أسرعوا في إجابتها لاستيلاء أوصاف النفوس وغلباتها وبصدأ القلوب وهجوم غفلاتها.
ثم أخبر عن نقض العهود لوهن العقول بقوله تعالى: { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } [الأحزاب: 15] يشير إلى مدعي الطلب، فإنهم يعاهدون الله من قبل الشروع في الطلب أنهم { لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } [الأحزاب: 15] عن المحاربة مع الشيطان وعند الجهاد مع النفس، فلما شرعوا في الحرب والجهاد مع أحزاب النفس والشيطان، وقد حمل كل حزب منهم أسلحتهم وأخذوا خدعات الحرب ومكائده، وهم الشجعان والأقوياء والأبطال المجربون وعساكر طلاب القلوب المرضى، وهم بعد إغمار غير مجربي الحروب والقتال وإن كان لهم الأسلحة ولكنهم بمعزل عن استعمالهم لضعفهم وعدم العلم بكيفية الاستعمال، فإذا قام الحرب ودام الضرب، غلب الأقوياء على الضعفاء وتنهزم المرضى عن الأصحاء، فلم يشد أزرهم الصدق ولم يعاونهم العشق ولم يذكروا حقيقة قوله: { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } [الأحزاب: 15]، ولا يتفكروا في قوله: { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ } [الأحزاب: 16] أيها الطالبون: إن فررتم وإن تفروا إلى الله لينفعكم، فإن الفرار من الموت أو القتل أو موت النفس وقتلها بالمجاهدة لا ينفع عند نزول الآجال، وإن لم تأتهم الآجال فهي من غاية الشقاوة، وإذا لا تمتعون كالبهائم والأنعام في رياض الدنيا إلا قليلاً ولا نهاية لتلك الشقاوة.