وبقوله: { وَقَالُواْ مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } [ص: 62]، يشير إلى تخاصم أهل النار مع أنفسهم، يسخرون بأنفسهم كما كانوا يسخرون بالمؤمنين، فيقولون: { مَا لَنَا لاَ نَرَىٰ } [ص: 62] في جهنم، { رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِّنَ ٱلأَشْرَارِ } [ص: 62]، وهذا مقام الأشرار.
{ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً } [ص: 63] وما كانوا من الأشرار، { أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ ٱلأَبْصَار } [ص: 63]، ما لنا لا نراهم معنا هاهنا، { إِنَّ ذَلِكَ } [ص: 64] التخاصم، { لَحَقٌّ } [ص: 64] مع أنفسهم { تَخَاصُمُ أَهْلِ ٱلنَّارِ } [ص: 64] من الندامة، حين لا ينفعهم التخاصم ولا الندامة.
وبقوله: { قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مُنذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ } [ص: 65]، يشير إلى أنه ليس للعباد ملجأ ولا مفر إلا إله واحد لا شريك له؛ ليعز العباد في الله إلى شريكه، وهو قهار يقهر العباد بذنوبهم ومعاصيهم، وليس النبي صلى الله عليه وسلم إلا مخوفهم ومحذرهم من الكفر والمعاصي، ومبشرهم على الإيمان والطاعة، وإن الله { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلْعَزِيزُ } [ص: 66] بالانتقام من المجرمين، { ٱلْغَفَّارُ } [ص: 66] لمن تاب وآمن وعمل صالحاً.
ثم أخبر عن تعظيم النبأ العظيم بقوله تعالى: { قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ص: 67-68]، يشير إلى أن أمر النبوة وما أنبأهم به من أخبار القيامة والحشر، والجنة والنار، هو نبأ عظيم وشأن جسيم، يستدل به على صدقه في دعوى النبوة { أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ } [ص: 68]؛ لضلالتكم، وغاية جهالتكم، { مَا كَانَ لِيَ مِنْ عِلْمٍ بِٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [ص: 69] فيما أخبرتكم من اختصامهم لو لم يكن لي نبوة، { إِن يُوحَىٰ إِلَيَّ } [ص: 70]؛ أي: ما يوحى { إِلاَّ أَنَّمَآ أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } [ص: 70]، ظاهر النبوة بالدلائل الواضحة منها: قوله: { إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ } [ص: 71-72] تسوية تصلح لنفخ الروح الخاصة المضافة للحضرة، { وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ } [ص: 72]؛ لاستحقاقه الخلافة، ومسجود به الملائكة، { فَسَجَدَ ٱلْمَلاَئِكَةُ كُـلُّهُمْ أَجْمَعُونَ } [ص: 73]؛ لآدم خلافة عن أهل الحق تعالى؛ إذ كان متجلياً فيه فوقعت هيبته على الملائكة فسجدوا له، ولما كان إبليس أعول فلما رأى آثار أنوار التجلي على مشاهدة آدم استكبر، كما قال: { إِلاَّ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ } [ص: 74].