خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ
٦
إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ فَيُنَبِّئُكُـمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ
٧
-الزمر

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن خلق الخلق بقوله تعالى: { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [الزمر: 6]، يشير إلى أن خلقة الإنسان من نفس واحدة وهي الروح، { ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [الزمر: 6]؛ وهو القلب، وإنه خلق من الروح كما خلقت خواص ضلع آدم، { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [الزمر: 6]؛ أي: خلق فيكم من صفات الأنعام ثماني صفات؛ وهي الأكل والشرب، والتغوط والبول، والشهوة والحرص، والشره والغضب، وأصل جميع هذه الصفات الصفتان الاثنتان: الشهوة والغضب، فإنه لا بد لكل حيوان من هاتين الصفتين لبقاء وجوده بهما، فبالشهوة تجذب المنافع إلى نفسه، وبالغضب تدفع المضرات، { يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُـمْ خَلْقاً } [الزمر: 6] من النطفة إلى تمام الجسد، { مِّن بَعْدِ خَلْقٍ } [الزمر: 6]، أو بعد خلق الروح في عالم الأرواح { فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ } [الزمر: 6]؛ ظلمة الخلقة، وظلمة وجود الروح، وظلمة البشرية بين آثار أفعاله الحكيمة في كيفية خلقتنا ظاهراً وباطناً من قطرتين أمشاج متشاكلة الأجزاء مختلفة الصور في الأعضاء، مسخراً بعضها لبعض محال للصفات الحميدة: كالعلم والقدرة والحياة، وغير ذلك في أحوال القلوب: كالسمع والبصر والحواس والقوى، وهذه كلها نعم أنعم الله بها علينا، ثم { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } [الزمر: 6]؛ يعني: الذي أحسن إليكم بجميع هذه الوجوه وهو ربكم؛ أي: أنا خلقتكم، وأنا رزقتكم، وأنا صورتكم، وأنا الذي أسبغت عليكم أنعامي، وخصصتكم بجميل إكرامي، وغرقتكم في بحار أفضالي، وعرفتكم استحقاق شهود جمالي وجلالي، وهديتكم إلى توحيدي وأدعوكم إلى وحدانيتي، فمالكم لا تنقطعون بالكلية إليَّ؟ ولا ترجون ما وعدتكم لديَّ؟ ومالكم تطلبون مني ولا تطلبوني؟ وقد بشرتكم بقولي: "ألا من طلبني وجدني، ومن كان لي كنت له، ومن كنت له يكون له ما كان لي" ، { لَهُ ٱلْمُلْكُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [الزمر: 6]؛ أي: له ملك القدرة على تبليغ العباد إلى هذه المقامات، وإعطائهم هذه الكرامات، { فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ } [الزمر: 6] عن ملازمة باب العبودية إلى باب عاجز مثلكم من الخلق.
{ إِن تَكْفُرُواْ } [الزمر: 7] نعمتي، { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } [الزمر: 7] وعن العالمين، { وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ } [الزمر: 7] من غاية كرمه ولطفه، فإن أعرضوا عنه يخذلهم من عزته وقهره، وكبريائه وجبروته، { وَإِن تَشْكُرُواْ يَرْضَهُ لَكُمْ } [الزمر: 7]؛ يعني: لا يرضى لكفركم؛ لأنه موجب للعذاب الشديد، ويرضى لشكركم، لأنه موجب لمزيد النعمة؛ وذلك لأن رحمته سبقت غضبه، يقول:
"يا مسكين، أنا لا أرضى لك أن لا تكون لي، وأنت ترضى بأن تكون لي قليل الوفاء كثير التجني، فإن أطعتني شكرتك، وإن ذكرتني ذكرتك" ، بقوله: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [الزمر: 7]، يشير إلى أن الروح والقلب لا يؤاخذان بوزر النفس إن لم يكونا مباشرين [معها] وزرها، ولا يرضيان به، فإن الرضا بالكفر كفر، كما أن النفس لا تثاب على طاعة الروح والقلب ما لم يكن مباشرة لها معهما، ولا ترضى بهما، فإن باشرتها معهما ورضيت بها تثاب بحسبها، { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُـمْ } [الزمر: 7]؛ للروح والقلب والنفس، { فَيُنَبِّئُكُـمْ } [الزمر: 7] بجزاء أعمالكم، { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الزمر: 7] واحد منك من الخير والشر، { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [الزمر: 7] من أعمال الروح والقلب والنفس.