{ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي ٱلْكِتَٰبِ } [النساء: 140]؛ أي: في كتاب العهد يوم الميثاق { أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ ٱللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا } [النساء: 140]؛ أي: النفوس وأربابها، { فَلاَ تَقْعُدُواْ } [النساء: 140]، الخطاب للقلوب وأربابها { مَعَهُمْ } [النساء: 140]؛ أي: مع النفوس؛ أي: لا تصاحبوهم ولا توافقوهم في شيء من أهوائهم، { حَتَّىٰ يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ } [النساء: 140]، فإن تفعلوا أيها القلوب وأربابها، { إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ } [النساء: 140]، مثل النفوس وأربابها؛ يعني: يكون القلب كالنفس، وصاحب القلب كصاحب النفس بالصحبة والمخالطة والمتابعة، { إِنَّ ٱللَّهَ جَامِعُ ٱلْمُنَٰفِقِينَ وَٱلْكَٰفِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً } [النساء: 140]؛ لأنهم كانوا في عالم الأرواح في صف واحد، وفي الدنيا بذلك التناسب والتعارف في فن واحد، وقال: صلى الله عليه وسلم "كما تعيشون تموتون، وكما تموتون تحشرون" ، فافهم جيداً.
ثم أخبر عن أخلاق أهل النفاق بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ } [النساء: 141]، إشارة فيها: إن المنافقين الذين يتربصون بكم، { فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [النساء: 141] من الفتوحات الدنيوية، { قَالُوۤاْ أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ } [النساء: 141] طمعاً فيه لما حرموا علو الهمة في الدين وعدموا خلوص العقيدة في علم اليقين تربصوا للفتوحات الدنيوية، وذهلوا عن الفتوحات الأخروية والحضرية؛ وهي { فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ } [النساء: 141]؛ يعني: ما يفتح الله للناس من رحمة ومن فتوحات الغيب وشواهد الحق حتى { وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ } [النساء: 141] من الدنيا والمرادات الدنيوية { قَالُوۤاْ } [النساء: 141]؛ لخسة عقلهم ودناءة همتهم وقصورهم { أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [النساء: 141]، طاروا بأجنحة الأطماع والخذلان عن إنكار الإيمان إلى منازل الكفر ودركات النيران، ثم يؤدي بأنهم أهل الملامة، { فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } [النساء: 141]؛ ليعلم مَنْ أهل العزة والكرامات، ومَنْ أهل العزة والندامات، { وَلَن يَجْعَلَ ٱللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } [النساء: 141]، فإن وبال كيدهم إليهم مصروف، وجزاء مكرهم عليهم موقوف، والحق من قبل الحق سبحانه وتعالى منصور أهله، والباطل بنصر الحق محيت أهله.