خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً
١٧٣
يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً
١٧٤
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً
١٧٥
-النساء

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

كما أخبر بقوله تعالى: { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [النساء: 173] بالعبودية، { وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [النساء: 173] للتقرب إلى حضرة الربوبية، { فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ } [النساء: 173] بجذبات العناية، { وَيَزيدُهُمْ مِّن فَضْلِهِ } [النساء: 173] بتجلي صفات الإلوهية، { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱسْتَنكَفُواْ } [النساء: 173]، عن أقسام الناسوتية، { وَٱسْتَكْبَرُواْ } [النساء: 173] عن الانمحاء للاهوتية، { فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [النساء: 173] في دركات من الحرمان عن الحضرة الربانية، { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } [النساء: 173] اليوم ولياً؛ ليخرجهم من الأنانية إلى نور الربوبية، ومن الحرمان عن الحضرة الربانية، { وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } [النساء: 173] ينصرهم على قمع النفس والهوى للوصول إلى المولى.
ثم أخبر عن نصرة وليَّه ببعثة نبيه بقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [النساء: 174]، إلى قوله: { مُّسْتَقِيماً } [النساء: 175]، والإشارة فيهما: إن الله تعالى أعطى لكل نبي آية وبرهاناً ليقيم به الحجة على الأمة، وجعل نفس النبي صلى الله عليه وسلم برهاناً منه وقال: { يَا أَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [النساء: 174] وذلك؛ لأن برهان الأنبياء عليهم السلام كان في الأشياء الخارجة عن أنفسهم، مثل ما كان برهان موسى عليه السلام في عصاه في الحجر التي
{ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } [البقرة: 60] وكان نفس النبي صلى الله عليه وسلم برهاناً بالكلية، وكان برهان عينه ما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالركوع والسجود فإني أراكم من خلفي كما أراكم من أمامي" ، وبرهان بصره: { { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم: 17]، وبرهان أنفه: إنه قال صلى الله عليه وسلم: "إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" ، وبرهان بصاقه: قال جابر رضي الله عنه أمرنا صلى الله عليه وسلم يوم الخندق: "لا تخبزن عجينكم ولا تنزلن برمتكم حتى أجيء فجاء فبصق في العجين وبارك فأقسم بالله أنهم لأكلوا وهم ألف حتى تركوه وانصرفوا" ، وإن برمتنا لتغط؛ أي: تغلي وإن عجيننا ليخبزكما هو، وبرهان تفله: إنه تفل في عين علي رضي الله عنه وهي ترمد فبريء بإذن الله تعالى يوم خيبر، وبرهان يده: ما قال الله تعالى: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال: 17]، وإنه سبح الحصى في يده، وبرهان أصبعيه: إنه أشار بأصابعه إلى القمر فانشق فلقتين حتى رؤى حراء بينهما، وبرهان بين أصابعه: إنه كان الماء ينبع من بين أصابعه حتى شرب منه ورفعه خلق عظيم، وبرهان صدره: إنه كان يصلي ولصدره أزيز كأزيز المرجل، وبرهان قلبه: إنه تنام عينه ولا ينام قلبه، وقال تعالى: { { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } [النجم: 11]، وقال تعالى: { { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1]، وقال تعالى: { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } [الشعراء: 193-194]، وأمثال هذه البراهين كثيرة، فمن أعظمها أنه عرج إلى السماء حتى جاوز قاب قوسين وابلغ أو أدنى وذلك برهان لنفسه بالكلية، وما أعطى نبي قط وكان بعد أن أوحى إليه ما أوحى أفصح العرب والعجم وكان من قبل أُمياً لا يدري ما الكتاب والإيمان، فأي برهان أقوى من هذا وأوضح وأظهر، وأن الله تعالى أكرم هذه الأمة به ومن عليهم به فقال: { قَدْ جَآءَكُمْ بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ } [النساء: 174]، { وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ } [النساء: 174]؛ يعني: مع هذا البرهان الواضح { نُوراً مُّبِيناً } [النساء: 174]؛ وهو القرآن سماه نوراً؛ لأنه من صفاته القديم الذي به يهتدي إلى الصراط المستقيم؛ وهو صراط الله العظيم وكلمته التي بنورها اهتدى الأشياء من العدم إلى الوجود كما يهتدي بالنور، يدل عليه سياق الآية { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ } [النساء: 175] إيماناً حقيقياً بنور الله لا بالتقليد، { وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ } [النساء: 175]؛ أي: وتخلقوا بخلق القرآن فهو الاعتصام به على التحقيق { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ } [النساء: 175]؛ يعني: بجذبات العناية يدخلهم في عالم الصفات، فإن رحمته صفته { وَفَضْلٍ } [النساء: 175]؛ أي: في فضل إذ هو أيضاً صفته لأنه ذو الفضل العظيم، { وَيَهْدِيهِمْ } [النساء: 175]؛ يعني: بنور القرآن وحقيقة التخلق بخلقه، { إِلَيْهِ } [النساء: 175]؛ أي: إلى الله { صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } [النساء: 175]؛ وهو في الحقيقة صراط أنزل به القرآن فبالاعتصام به يصعد السالك بهذا الصراط المستقيم إلى حضرة الله الحليم الكريم، فافهم جيداً.