خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ
١٦
ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ
١٧
يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ
١٨
ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ
١٩
-الشورى

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } [الشورى: 16] يشير إلى الذين يجادلون في معرفة الله بشبه المعقول مع صاحب المعرفة الذي استجيب له بالوصول إلى الحضرة، فحجتهم من بعد استجابته صعبة باطلة { عِندَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } [الشورى: 16]؛ لأنهم يحجبون بالباطل، فهم مستوجبون اللعنة والطرد والإبعاد.
ثم أخبر عن إنزال القرآن والميزان بقوله تعالى: { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } [الشورى: 17] يشير إلى كتاب الإيمان الذي كتب الله في القلوب، وميزان العقل الذي يوزن به أحكام الشرع، والخير والشر، والحسن والقبح، فإنهما قرينان متلازمان لابد لأحدهما من الآخر، وسماها البصيرة فقال:
{ { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } [الأنعام: 104] فمن صبر فلنفسه ومن عمى فعليها، ففي انتفاء أحدهما انتفاء الآخر، كما قال تعالى: { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [البقرة: 171] فنفي العقل والبصيرة بانتفاء الإيمان.
وبقوله: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } [الشورى: 17] يشير إلى زجرهم عن طول الأمل وينبئهم على انتظار الأجل وهجومه، { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا } [الشورى: 18] إنكاراً وجحوداً واستهزاءاً وتكذيباً بها، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [الشورى: 18] بالغيب { مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [الشورى: 18] من أحكام الآخرة، ويكلون أمرهم إلى الله فلا يتمنون الموت حذار الابتلاء، ولكن إذا أراد الموت لم يكرهوه { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } [الشورى: 18] فيستعدون له { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } [الشورى: 18]؛ أي: ضلالة بعيدة لأنه أزلي، { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } [الشورى: 19] فلطفه من وجهين: أحدهما لطف الفطرة التي فطر الناس عليها في أحسن تقويم مستعداً لقبول الفيض الإلهي بلا واسطة، ولطف الجذبة للوصلة، وأيضاً لطيف بعباده بأن جعلهم عباده لا عباد الدنيا ولا عهباد النفس والهوى والشيطان، { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } [الشورى: 19] بلطفه الوصول والوصال، { وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ } [الشورى: 19] في إيصال العباد إلى الحضرة، { ٱلْعَزِيزُ } [الشورى: 19]، بأنهم
{ { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَآءَ } [البقرة: 255] وأكثر ما يستعمل اللطف في وصفه في الإحسان بالأمور الدينية، خاطب العابدين بقوله: { لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } [الشورى: 19]؛ أي: بعمل غوامض أحوالكم من وفيق الرياء والتصنع لئلا يعجبوا بأحوالهم وأعمالهم، وخاطب العصاة بقوله: { لَطِيفٌ } لئلا ييأسوا من إحسانه، وخاطب الفقراء بقوله: { يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ } [الشورى: 19]؛ أي: أنه يحسن بكم، وخاطب الأغنياء بقوله: { لَطِيفٌ }؛ ليعلموا أنه يعلم دقائق معاملاتهم في جمع المال من غير وجهة بنوع تأويل، ومن لطفه بعباده: أنه جعلهم مظهر صفات لطفه، أنه عرفهم أنه لطيف ولولا لطفه ما عرفوه، أنه زين أسرارهم بأنوار العرفان وكاشفهم بالعين والعيان.