خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ
٢٧
وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ
٢٨
وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ
٢٩
وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ
٣٠
وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ
٣١
-الشورى

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

وبقوله: { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى: 27] يشير إلى تسلية الفقير كأنه يقول: إنما لم أبسط أيها الفقير، عليك الدنيا لما كان لي من العلوم إن وسعت عليك لطغوت وسعيت في الأرض بالفساد، ويشير أيضاً إلى وعيد الحريص على الدنيا لئلا ينتبه عن نومة الغفلة ويتحقق له أن لو بسط الله له الرزق بحسب حرصه على الطلب؛ لكان سبب بغيه وطغيانه وفساد حاله فيكن فائزة حرصه على الدنيا، ثم قال: { وَلَـٰكِن } وهي كلمة استدراك، إن لم أوسع عليك الرزق لصلاح حالك لم أضع عنك الكل، { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } [الشورى: 27]؛ لعلمه بصلاح حالك، { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } [الشورى: 27].
وبقوله: { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } [الشورى: 28] يشير إلى أن العبد إذا ذبل غصن وقته، وتكدر صفو ورده، وكسف شمس أنسه، وبعد بالحضرة وساحات القرب عهده، فربما ينظر الحق بنظر رحمته فينزل على سره أمطار الرحمة ويعود عوده طرياً وينبت من مشاهد أنسه ورداً جنياً، وأنشدوا:

أقْبِلْ فَقَد أعْيَى الصُّدُوْدُ
وَلَعَلَّ أيْــــ ـَامِي تَعودْ
وَلَعَلَّ عَهْدَكَ باللو ى يحْيُي العهودْ
والغصن ينشد تارة وتراه مخضر تميدْ

{ وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ } [الشورى: 28] لطالبيه، { ٱلْحَمِيدُ } [الشورى: 28] في توليتهم، وبقوله: { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } [الشورى: 29] يشير إلى سماوات الأرواح وأرض الأجساد { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } النفوس والقلوب فلا مناسبة بين كل واحد منهم، فإن بين الأرواح والأجساد بوناً بعيداً في المعنى؛ لأن الجسد من أسفل سافلين والروح من أعلى عليين، والنفس تميل إلى الشهوات الحيوانية الدنياوية، والقلب يميل إلى الشواهد الروحانية الأخروية الربانية، { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ } [الشورى: 29] على طلب الدنيا وزينتها، وعلى طلب الآخرة ودرجاتها، وعلى طلب الحضرة وقرباتها { إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } [الشورى: 29]، { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } [الشورى: 30] يسلى به قلوب العباد وأهل المصائب؛ يعني: إذا أصابتكم مصيبة الذنوب والمعاصي موجبة للعقوبة الأخروية الأبدية تداركنا بإصابة المصيبة الدنيوية الفانية؛ ليكون جزاءً لما يذر منكم من سوء الأدب، وتطهيراً لما تلوثتم به من المعاصي، ثم إذا كثرت الأسباب من البلايا على عبد وتوالت عليه ذلك فليكفر في أفعاله المذمومة، كم يحصل منه حتى يبلغ جزاء ما يفعل مع العفو الكثير بقوله: { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 30] هذا المبلغ، فعند هذا يزداد حزنه وأسفه وخجله لعلمه بكثرة ذنوبه وعصيانه وغاية كرم الله، { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ } [الشورى: 31] يمنعكم مني { وَلاَ نَصِيرٍ } [الشورى: 31] ينصركم على أو على أنفسكم أو على غيركم.