خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حـمۤ
١
وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ
٢
إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
٣
وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ
٤
أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ
٥
وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ
٦
وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٧
فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ
٨
-الزخرف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } [الزخرف: 1-2] يشير إلى القسم بحاء حياته وميم ملكه معناه وحياتي وملكي، وهذا القرآن المبين الذي أبان طريق وصول السالكين إلى الله والمعتصمين بالله، إن الذي أخرت من رحمتي لعبادي المؤمنين حق وصدق، { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [الزخرف: 3] بعد أن كان القرآن كلامي وصفتي قائمة بذاتي، عرية عن كسوة العربية، منزهة عنها وعن توابعها، وإنما كسوناها العربية ليتسر عليكم فهم معناه، وذلك قوله: { لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [الزخرف: 3]؛ أي: تفهمون معناه، { وَإِنَّهُ }؛ يعني: القرآن { فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ } وهو علم الحق تعالى فإنه أصل كل كتاب، ولهذا المعنى قال في أم الكتاب { لَدَيْنَا } [الزخرف: 4] نظيره قوله: { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } [الرعد: 39]، وقوله: { لَعَلِيٌّ } [الزخرف: 4] قدره { حَكِيمٌ } [الزخرف: 4] محكم الوصف لا تبديل له ولا تحويل، { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً } [الزخرف: 5]؛ أي: أفنترككم ولا نذكركم ونقطع عنكم خطابنا وتعريفنا؛ أي: لا تفعل ذلك، { أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ } [الزخرف: 5] بأن أسرفتم في خلافكم؛ أي: لا ندفع عنكم التكليف بأن خالفتم، ولا نهجركم بقطع الكلام عنكم وإن أسرفتم، وفي هذا إشارة لطيفة وهي ألا يقطع الخطاب اليوم عمن تمادى في عصيانه، وأسرف أكثر شأنه فأحرى من لم يقصر في إيمانه وإن تلطخ بعصيانه، ولم يدخل خلل في عرفانه لا يمنع عنه لطائف غفرانه وعواطف إحسانه، وبقوله: { وَكَمْ أَرْسَلْنَا مِن نَّبِيٍّ فِي ٱلأَوَّلِينَ } [الزخرف: 6]، { وَمَا يَأْتِيهِم مِّنْ نَّبِيٍّ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [الزخرف: 7] يشير إلى كمال ظلومية نفس الإنسان وجهوليتها، وكمال حكم الله وكرمه وفضل ربوبيته بأنهم وإن بالغوا في إظهار أوصافهم الذميمة وأخلاقهم اللئيمة، بالاستهزاء مع الأنبياء والمرسلين والاستخفاف بهم، إلى أن كذبوهم وسعوا في قتلهم من أهل الأولين والآخرين، وكذلك يفعلون أهل كل زمان مع ورثة الأنبياء من العلماء المتقين، والمشايخ السالكين الناصحين لهم، الداعين إلى الله والهادين لهم، وإن الله تعالى لم يقطع عنهم مراحم فضله وكرمه، وكان يبعث إليهم الأنبياء، وينزل عليهم الكتب، ويدعوهم إلى جناته، وينعم عليهم بعفوه وغفرانه، ومن غاية أفضاله وإحسانه تأديباً وترهيباً لعباده أهلك بعض المتمردين المتمادين في الباطل؛ ليعتبر المتأخرون من المتقدمين وذلك قوله: { فَأَهْلَكْنَآ أَشَدَّ مِنْهُم بَطْشاً وَمَضَىٰ مَثَلُ ٱلأَوَّلِينَ } [الزخرف: 8].