التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
{إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان: 40]؛ أي: يفصل بين أرباب الصفاء وأصحاب الصداء، {يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى} [الدخان: 41]، ولا ناصر، ولا حميم عن حميم، ولا نسب عن نسيب، ولا شيخ عن مريد {شَيْئاً} [الدخان: 41]، من الصفاء إذا لم يحصلوا هاهنا في دار العمل، {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} [الدخان: 41]، في تحصيل الصفاء ورفع الضراء، {إِلاَّ مَن رَّحِمَ ٱللَّهُ} [الدخان: 42]، عليه بتوفيق تصفية القلب في الدنيا، كما قال تعالى: { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 89]، {إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ} [الدخان: 42] يعز من يشاء بصفاء القلب، {ٱلرَّحِيمُ} [الدخان: 42]، يرحم من يشاء بالتجلي لمرآة قلبه.
وبقوله: {إِنَّ شَجَرَتَ ٱلزَّقُّومِ} [الدخان: 43]، {طَعَامُ ٱلأَثِيمِ} [الدخان: 44]، يشير إلى أن الأثيم وهو الذي عبد صنم الهوى وغرس شجرة الحرص؛ فأثمرت الشهوات النفسانية اللذيذة على مذاق النفس في الدنيا، يكون طعامه في الآخرة الزقوم الذي {كَٱلْمُهْلِ يَغْلِي فِي ٱلْبُطُونِ} [الدخان: 45]، {كَغَلْيِ ٱلْحَمِيمِ} [الدخان: 46]، {خُذُوهُ} [الدخان: 47]، أيتها الزبانية الطبائع الحيوانية، {فَٱعْتِلُوهُ} [الدخان: 47]، اسحبوه {إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ} [الدخان: 47]، جحيم البعد والقطيعة، {ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ ٱلْحَمِيمِ} [الدخان: 48]، وهو عذاب الحسرة والحرمان، وحرقة الهجران في قعر النيران.
وبقوله: {ذُقْ} [الدخان: 49]، يشير إلى أنه كان معذباً بهذا العذاب في الدنيا، ولكن كان في نوم الغفلة لم يكن ليذوق ألم العذاب، فلما مات انتبه فذاق ألم ما ظهر به على نفسه، {إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ} [الدخان: 49]، في نظرك {ٱلْكَرِيمُ} [الدخان: 49]، عند قومك؛ فذق ألم عذاب الذلة والإهانة؛ {إِنَّ هَـٰذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ} [الدخان: 50] بوساوس الشيطان وهواجس النفس.