خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ
١١
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ
١٢
إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
١٣
أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤
-الأحقاف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْ كَانَ خَيْراً } [الأحقاف: 11]؛ يعني: الذين { مَّا سَبَقُونَآ إِلَيْهِ } [الأحقاف: 11]، مثل هؤلاء الأراذل، هذا نوع من أنواع مكر النفس ليتوهم بها براءة ذمتها عن إنكار الحق، والتمادي في الباطل، { وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُواْ بِهِ } [الأحقاف: 11]؛ أي: بما ليس من مشاربهم، وما هم من أهل ذوق الإيمان بالقرآن به وبالمواهب الربانية، { فَسَيَقُولُونَ هَـٰذَآ إِفْكٌ قَدِيمٌ } [الأحقاف: 11].
وبقوله: { وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً } [الأحقاف: 12]، يشير إلى أن التوراة إنما أنزلت على موسى قبل القرآن؛ لتكون إماماً لمن آمن بها في الإيمان بالقرآن وبمحمد صلى الله عليه وسلم إذ مشروح فيها أحوال حقيقتها، وتكون رحمة بأن يؤمنوا بهما، { وَهَـٰذَا } [الأحقاف: 12]؛ يعني: القرآن { كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ } [الأحقاف: 12]؛ يعني: للكتب المنزلة المشروحة فيها الوصية بالإيمان بمحمد، وأخذ الميثاق من النبيين وجميع الأمم على الإيمان والنصرة لدينه، { لِّسَاناً عَرَبِيّاً } [الأحقاف: 12]، أي: بلسان عربي؛ لأن قومه عرب { لِّيُنذِرَ } [الأحقاف: 12] اليهود والنصارى، { ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } [الأحقاف: 12]، ظلموا أنفسهم بأن قالوا: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، وغيروا ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في التوراة والإنجيل، و
{ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } [النساء: 46]، { وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } [الأحقاف: 12]، الذين آمنوا بجميع الأنبياء والكتب المنزلة، (وهدوا إلى الصراط المستقيم)، وثبتوا على الدين القويم.
ثم أخبر عن سلامة أهل الاستقامة قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [الأحقاف: 13]، يشير إلى أنهم قالوا: { رَبُّنَا ٱللَّهُ } من بعد استقامة الإيمان في قلوبهم، { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } بجوارحهم على أركان الشريعة، وبأخلاق نفوسهم على آداب الطريقة بالتزكية، وبأوصاف القلوب على التصفية، وبتوجيه الأرواح على التحلية بالتخلق بأخلاق الحق؛ فقالوا: { رَبُّنَا ٱللَّهُ } باستقامة الإيمان، { ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } بالنفوس على أداء الأركان، وبالقلوب على الإبقاء، وبالأسرار على العرفان، وبالأرواح على الإحسان، وبالإخفاء على العيان، وبالحق على الفناء بأنانيتهم والبقاء بهويته؛ { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ } [الأحقاف: 13] بالانقطاع، { وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [الأحقاف: 13] على ما فات لهم من خطاب الدارين، { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الأحقاف: 14] جنة الوحدة { خَالِدِينَ فِيهَا } [الأحقاف: 14]، فانين عن الاثنينية باقين بالوحدة { جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأحقاف: 14] في استقامة الأعمال مع الأقوال.