التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
{ وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ } [الفتح: 24]؛ أي: أيدي النفوس بالاستيلاء { عَنكُمْ } [الفتح: 24]؛ أي: عن قلوبكم { وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } [الفتح: 24]، وهي مكة الروح في بطنه كعبة القلب، { وَأَيْدِيَكُمْ }؛ أي: أيدي قلوبكم، { عَنْهُم } عن النفوس من أن تهلكها بالمجاهدة والرياضة، { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ } [الفتح: 24]؛ لأن الحكمة في جهاد النفس تزكيتها، والظفر بها لإهلاكها، فإنها مطية الروح ومشقها، بها يبلغ كعبة الوصال؛ ولهذا قيل لبعضهم: إلى متى ينتهي طلب الطالبين؟ قال: إلى الظفر بنفوسهم { وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } [الفتح: 24]؛ أي: بما تعلمون في طلبه بالصدق بصيراً بأن يهديكم إلى الحضرة، ويكف أيدي النفوس عنكم؛ لئلا يقطع الطريق عليكم.
{ هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } [الفتح: 25]؛ أي: النفوس المتمردة، { وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [الفتح: 25]، وهي كعبة القلب، { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً } [الفتح: 25]، وهو كل ما يتقرب به إلى الله من النفس والمال { أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } [الفتح: 25]، ومحله الصدق والإخلاص يعني: من خاصة النفس أن تصد وجه الطالب عن الله، وبنشوب الخيرات والصدقات التي يتقرب بها إلى الله بالرياء والسمعة والعجب؛ لئلا يبلغ محل الإخلاص والقبول.
وبقوله: { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ } [الفتح: 25]، يشير إلى بعض صفات النفس أنها قابلة للفيض الإلهي لم تعرفوا أحوالها، أن تقهروها لو سلطناكم عليها؛ { فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } [الفتح: 25]، بإفساد استعدادها لقبول الفيض الإلهي، { بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الفتح: 25] منكم بما يفوتكم من إعوازها؛ { لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } [الفتح: 25] بالوصل إلى حضرته، { مَن يَشَآءُ } [الفتح: 25] من عباده على مطية النفس المطمئنة المظفرة بها، كما قال تعالى: { { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ *ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28]، فحقيقة معنى الآية: لولا هذه المصالح في استيفاء النفس بعد اطمئنانها وتزكية صفاتها، { لَوْ تَزَيَّلُواْ } [الفتح: 25] تميزوا عند التزكية، ما منها صفة لا تصلح في استيفاء النفس بعد اطمئنانها إلا قلعها، كالكبر والشدة والحسد والحقد، ومنها ما تصلح للتبديل: كالبخل بالسخاوة، والحرص بالقناعة، والغضب بالحلم، والجبانة بالشجاعة، والشهوة بالمحبة؛ { لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ } [الفتح: 25] من النفوس المتمردة { عَذَاباً أَلِيماً } [الفتح: 25] للهلاك.