خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
٢٩
فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
٣٠
فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ
٣١
مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
٣٢
-المائدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

{ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ } [المائدة: 29]، فتبوء بإثم وجودي وإثم وجودك فإن الوجود حجاب بيني وبين محبوبي { فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ } [المائدة: 29]، نار الفرقة والبعد والحسرة { وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ } [المائدة: 29]، الذين يعبدون الدنيا وزينتها ويشتغلون باستفاء لذاتها وشهواتها.
ثم أخبر عن مطاوعة النفس ومتابعتها والندامة والغرامة على متابعتها بقوله تعالى: { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ } [المائدة: 30]؛ لأن النفس أعد أعداء القلب { فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [المائدة: 30]، يعني: في قتل القلب خسارة النفس في الدنيا والآخرة أما الدنيا فتحرم عن الواردات والكشوف والعلوم الغيبية التي تنشئ القلب عن ذوق المشاهدات ولذة المؤنسات فتبقى في خسران جهولية الإنسان؛ لقوله تعالى:
{ وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ } [العصر: 1-2]، وأما في الآخرة فتخسر الدخول في جنات النعيم ولقاء الرب الكريم، والنجاة من الجحيم والعذاب الأليم، وفي قوله: { فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي ٱلأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ } [المائدة: 31]، إشارات منها ليعلم أن الله قادر على أن يبعث غراباً أو غيره من الحيوانات إلى الإنسان؛ ليعلمه ما لم يكن يعلم كما يبعث الملائكة والرسل أنفسهم باختصاصهم بتعليم الحق فانه يعلمهم بواسطة الغراب، كما يعلمهم بواسطة الملائكة والرسل، ومنها ليعلم الإنسان أنه محتاج في التعلم إلى غراب ويعجز أن يكون مثل غراب في العلم كما قال: { قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـٰذَا ٱلْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي } [المائدة: 31]، ومنها أن الله تعالى في كل حيوان بل في كل ذرة آية تدل على وحدانيته وربوبيته واختياره حيث يبدع المعاملات المعقولة عن الحيوانات غير العاقلة، ومنها إظهار لطفه مع عباده في أسباب العيش حتى إذا أشكل عليهم أمر كيف يرشدهم إلى الاحتيال بلطائف أسباب تجليه { فَأَصْبَحَ مِنَ ٱلنَّادِمِينَ } [المائدة: 31].
{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ } [المائدة: 32]، أي: من أجل تلك الندامة والحسرة عنها ولدفعها عنهم كتبنا أي: أظهرنا على بني إسرائيل وغيرهم أنه من قتل نفساً بغير قصاص نفس أو بغير فساد يظهر منه موجب لقتله { فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً } [المائدة: 32]، في الأرض لأن كل نفس على حدة هي آدم في نفسها إذ يخلق الله منها خلقاً، كما خلق من نفس آدم كقوله تعالى:
{ { خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [النساء: 1]، فإنها مستعدة لهذا فمن أبطل هذا الاستعداد بقتلها فكأنما قتل جميع الناس المحتمل خلقهم منها، { وَمَنْ أَحْيَاهَا } [المائدة: 32]، بترك قتلها ونجاتها من القتل والهلاك، { فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ } [المائدة: 32]، المحتمل خلقهم منها { جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ } [المائدة: 32].
واعلم أن كل شيء ترى فيه آية من الله تعالى فهو في الحقيقة رسول من الله إليك ومعه آية بينة ومعجزة ظاهرة يدعوك بها إلى الله، { ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ } [المائدة: 32]، يعني: من الذين شاهدوا الآيات ولحقتهم البينات { بَعْدَ ذٰلِكَ } [المائدة: 32]، أي: بعد رؤية الآيات { فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } [المائدة: 32]، أي: في أرض البشرية لمجاوزون حد الفريضة والطريقة بمخالفة أوامر الله ونواهيه.