خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٧٦
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ ٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ
٧٧
لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
٧٨
كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ
٧٩
-المائدة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم نفى إيصال النفع والضر عن قدرة عيسى عليه السلام مع تمكينه من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى فقال تعالى: { قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } [المائدة: 76]؛ لكي تهتدوا إلى التوحيد، ولتعلموا أن ما ظهر عن عيسى عليه السلام من الإبراء والإحياء كان بإذن الله وقدرته { وَٱللَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [المائدة: 76]، بما تحدث به أنفسهم عند تعليق القلوب بدون الرب في استدفاع الشر واستجلاب الخير { ٱلْعَلِيمُ } [المائدة: 76]، بمن يدفع عنهم الشر ويصيبهم الخير، فإذا الضار والنافع وهو الذي يخاف ويرجى في الضراء والسراء لا غير.
ثم أخبر عن الغلو من السلو بقوله تعالى: { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ } [المائدة: 77]، إشارة أن الخطاب في قوله تعالى: { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ } [المائدة: 77]، مع المقلدين من أهل الكتاب؛ لأنه قال { فِي دِينِكُمْ } [المائدة: 77] أي: في مذهبكم الذي اتخذتم بالتقليد من أهل الأهواء والبدع، ما قال في الدين مطلقاً؛ لأن الغلو في دين الحق حق، ولهذا قال تعالى: { غَيْرَ ٱلْحَقِّ } [المائدة: 77]؛ أي: فيما غير الحق من دينكم؛ يعني: الغلو بما هو الحق من دينكم حق، ثم أكد ما بقوله تعالى: { وَلاَ تَتَّبِعُوۤاْ أَهْوَآءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ } [المائدة: 77]؛ إذ غلب عليهم الهوى فاتخذوه إلهاً يعبدونه على اتباعه، وزين الشيطان في أعينهم الشبه المعقولة والمشوبة بالهوى فضلوا بها من قبل { وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ } [المائدة: 77]، من جهال المبتدعة ومقلديهم في اتباع أهوائهم وشبههم، وضلوا يعني: كلا الفريقين التابع والمتبوع { عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ } [المائدة: 77]؛ يعني: استقامة طريق الوصول إلى الحق، فإن الهداية الحقيقية هي الانقطاع عن الخلق والتولي عن طريقه { لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } [المائدة: 78]، فيه إشارة إلى سر الخلافة، وهو أن الإنسان الكامل الذي يصلح للخلافة الحق هو مظهر صفات لطفه للحق وقهره، فقبولهم قبول الحق، وردهم رد الحق، ولعنهم لعن الحق، وصلاتهم صلاة الحق، فمن لعنوه فقد لعنه الحق، ومن صلوا عليه فقد صلى عليه الحق، وصلاتهم صلاة الحق، لقوله تعالى لنبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم:
{ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ لَّهُمْ } [التوبة: 103]، ثم قال تعالى: { { هُوَ ٱلَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ } [الأحزاب: 43]، فمظهر اللعن كان لسان داود وعيسى، وكانت اللعنة من الله حقيقة، كقوله: { لَعَنَّآ أَصْحَٰبَ ٱلسَّبْتِ } [النساء: 47]، وهم الذين لعنهم داود عليه السلام صرح هاهنا أن اللعن كان منه تعالى: وإن كان لسان داود { ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } [المائدة: 78]؛ أي: موجب اللعن كان مخالفة أمر الحق والاعتداء وهو الإصرار على العصيان وترك التوبة يدل عليه بالعدة { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } [المائدة: 79]؛ يعني: كانوا يصرون على فعل المنكر، وإنما سمي العصيان منكراً؛ لأنه يوجب المنكرة كما سمي الطاعة معروفاً؛ لأنها توجب المعرفة { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } [المائدة: 79]، الإصرار على الفعل المنكر لأن الإقدام على الفعل المنكر معصية والإصرار على المعصية كفر.