التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
{ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ } [الأنعام: 121]؛ أي: ولا تأكلوا طعاماً إلا بأمر الله وعلى ذكر الله وفي طلب الله؛ ليندفع بنور الذكر ظلمة الطعام وشهوته، { وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [الأنعام: 121]؛ يعني: ظلمة الطعام وشهوته؛ مؤدية إلى الفسق الذي هو الخروج من النور الروحاني إلى الظلمة النفسانية، وفي قوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ } [الأنعام: 121]؛ إشارة إلى: إن للشياطين مجالاً في الوسوسة، إذ كانت النفوس أوليائهم في المجادلة مع القلوب؛ ليدعوها إلى متابعة الهوى وترك طلب المولى، [وتشوف] النفس [وهم] أولياء الشياطين في هذا المعنى، ولا يكون للشيطان مجال في وسوسة القلوب ثم قال تعالى: { وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ } [الأنعام: 121]؛ يعني: في ترك طلب المولى ومتابعة الهوى { إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } [الأنعام: 121]؛ لأنكم تعبدون الهوى مع المولى، كما قال تعالى: { أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ } [الفرقان: 43].
ثم أخبر عن طالب المولى متابعي الهوى بقوله تعالى: { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ } [الأنعام: 122]، إلى قوله: { وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [الأنعام: 124].
والإشارة فيها: إن الله تعالى هو الحي القيوم الذي ما كان ميتاً ولا يموت أبداً وما سواه فهو ميت؛ لأنه كان ميتاً في الدعم وسيموت، فقوله: { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً } [الأنعام: 122]؛ أي: من الحياة الحقيقية فأحييناه بالحياة الحقيقية، وهي معنى قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [الأنعام: 122]، أي: نور الوجود الحقيقي الذي صار به قيامه في جميع أحواله، كما قال تعالى: "فبي يبصر وبي يسمع" .
{ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا } [الأنعام: 122]؛ يعني: كالذي هو باقٍ في ظلمات الوجود المجازي كالموتى في قبور القالب لا يمكنه الخروج منها، وأيضاً: { أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ } [الأنعام: 122]:
أي: بنورنا، { كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ }؛ يعني: محبوس في ظلمات وجوده ليس بخارج منها { كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأنعام: 122] من أنواع الضلالات يميت قلوبهم ويحيهم في ظلمات وجودهم المجازي { وَكَذٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَٰبِرَ مُجْرِمِيهَا } [الأنعام: 123]؛ يعني: كما جعلنا في قلب من أحييناه بنا نوراً كذلك جعلنا في كل قرية كل قالب أكابر من النفوس والهوى والشيطان مجرميها؛ أي: مفسدي حسن استعداداتها لقبول السعادة { لِيَمْكُرُواْ فِيهَا } [الأنعام: 123] بمخالفات الشرع وموافقات الطبع، { وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنْفُسِهِمْ } [الأنعام: 123]؛ لأن فساد استعدادهم عائداً إلى أنفسهم بحصول الشقاوة وفوات السعادة، { وَمَا يَشْعُرُونَ } [الأنعام: 123] ولا شعور لهم على ما يفعلون بأنفسهم وإن مرجعهم إلى النار.
{ وَإِذَا جَآءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124]؛ أي: النفس والهوى والشياطين من دأبهم ألا يؤمنوا برؤية الآيات؛ إذ جبلوا على الإباء والتمرد والإنكار، ولسان حالهم يقول: { لَن نُّؤْمِنَ حَتَّىٰ نُؤْتَىٰ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ رُسُلُ ٱللَّهِ } [الأنعام: 124]؛ أي: القلب والسر والروح؛ فإنهم مهبط أسرار الحق وإلهاماته، { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] يخص بها القلب والروح والسر ونفساً تطمئن بذكر الله فيستحق رسالة { ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 28]، { سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ ٱللَّهِ } [الأنعام: 124]؛ يعني: أصحاب النفس الأمارة بالسوء لهم ذلة البعد من عند الله، { وَعَذَابٌ شَدِيدٌ } [الأنعام: 124] فهو عذاب الفرقة والانقطاع، { بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ } [الأنعام: 124]؛ أي: بما افسدوا استعداد الوصلة وهو جزاء مكرهم وكيدهم.