خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
١٦٤
وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٦٥
-الأنعام

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن بقيته صلى الله عليه وسلم: إنه هو الله غير خلقته بقوله تعالى: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 164] الإشارة فيها: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان غاية منتهاه، ونهاية قصده الله رب العالمين، حتى قال الله عز وجل: { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } [الأنعام: 164]، أي: كيف أطلب غير الله وهو حبيبي، والمحب لا يطلب إلا الحبيب، وكل شيء طلب دونه فهو رب ذلك الشيء ومالكه، فإذا كان هو لي يكون ما له لي، وإن قبلت غيره لم أجده، وكل خير وجدته [غيره] يكون عليَّ، كما قال تعالى: { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } [الأنعام: 164]، يعني: إن النفس إنما تكسب بأمر هواها، { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ } [يوسف: 53]، ولهذا كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "لا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك" .
واعلم أن النفس مأمورة بالسَّير إلى الله بقدم العبودية والأعمال الصالحات بقوله: { { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ } [الفجر: 27-28]، وإن اطمئنانها بالطبع إلى الدنيا وزخارفها مخالف لأمر الله تعالى وهو وزرها وسيرها إلى الدَّركات السفلى، فلا يمكن لغيرها أن يحمل قدرها، وإنَّ القلب إذا كان سليماً من كدورات صفات النفس باقياً على ما جبل عليه من حب الله تعالى وطلبه مزيناً بنور الإيمان وحبه لا يؤخذ بمعاملة النفس وزرها، كما قال تعالى: { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [الأنعام: 164]، والنفس مأخوذة بوزرها معاً معاقبة بما هي أهله ولا يتألم القلب بعذابها، وإن كان القلب منقلب الحال وأزاغه الحق تعالى بإصبع القهر إلى محاذاة النفس فينطبع مرآة القلب بصفات النفس وأخلاقها، فيتبع النفس وهواها فيزول بطبع الشهوات ولذاتها، ويكسب الإثم والوزر بترك ما هو مأمور به من؛ الطهارة والصفاء والسلامة والذكر والفكر والتوحيد لله تعالى والإيمان به والتوكل عليه والصدق والإخلاص في القلب والعبودية، وغير ذلك من أعمال القلب فيكون مأخوذاً بوزره لا بوزر غيره، كما قال تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [المطففين: 14].
ثم عرَّف الله تعالى نفسه الخلق بتعريفهم أنفسهم فقال: { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ٱلأَرْضِ } [الأنعام: 165]، أي: جعل واحد من بني آدم ابن وقته وخليفة ربه في الأرض، وسر خلافته؛ أن صوره على صورة صفات نفسه حياً قيوماً سميعاً بصيراً عالماً قادراً مريداً متكلماً، { وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } [الأنعام: 165]، في الخلافة واستعدادها، { لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ } [الأنعام: 165]، من صفاته واستعداد الخلافة؛ ليظهر من تخلق بأخلاقه منكم القائم به وبأوامره في العباد والبلاد، ومن الذي رجع قهري إلى صفات البهائم والأنعام وأبطل الاستعداد للخلافة فيكون من زمرة أولئك،
{ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً } [الفرقان: 44].
{ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } [الأنعام: 165]، يعني: مربيك يا محمد الذي بلغك أقصى مراتب الخلافة سريع العقاب لمبطلي استعداد الخلافة ومضيعي صفات الحق بتبديلها بصفات الحيوانات، بأن،
{ { خَتَمَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَٰرِهِمْ غِشَاوَةٌ } [البقرة: 7]، وجعلهم، { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [البقرة: 18]، إلى مكان من الغيب الذين خرجوا منه، وهم محبوسون في سجن أسفل سافلين وفي حبس، { كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } [المطففين: 7].
{ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ } [الأنعام: 165]، لمن تاب عن متابعة النفس والهوى ومخالفة الحق والهدى وآمن وعمل صالحاً للخلافة، { رَّحِيمٌ } [الأنعام: 165]، بمن رحمه ووفقه لمرضاته ويرفع درجاته.