خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ
١٤٦
وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٤٧
وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ
١٤٨
وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ
١٤٩
-الأعراف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن تصرفات القدرة للعزة بقوله تعالى: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } [الأعراف: 146] إلى قوله تعالى: { يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 182] الإشارة فيها: أن الكبر والتكبر من أعظم حجب أوصاف البشرية؛ لأنه يزيد في الأنانية وما لعن إبليس وطرد إلاَّ للتكبر، وقيل له: { فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا } [الأعراف: 13]، وحجاب التكبر يحرم المتكبر عن رؤيات الآيات، كما قال تعالى: { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي ٱلَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ }؛ يعني: اجعل حجاب التكبر على أبصارهم لئلا يعرفوا أحبابي، { وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ } [الأعراف: 146]؛ يعني: وإن يروا كل آية نؤمن على أمثالها، { لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلرُّشْدِ } [الأعراف: 146]؛ أي: طريقاً يهدي إلى الحق، { لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [الأعراف: 146] لا يمشون فيه، { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ ٱلْغَيِّ } [الأعراف: 146] طريقاً يهديهم إلى الباطل { يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } [الأعراف: 146] يمشون فيه، { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا } [الأعراف: 146] من الكتب المنزلة بما أظهروا من المعجزات تكبيراً عليهم، { وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } [الأعراف: 146]؛ أي: معرضين عن الآيات بالتكبر.
{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ ٱلآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } [الأعراف: 147] جزاء على تكبرهم كما حبط على أعمال إبليس جزاء على تكبره، { هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأعراف: 147]؛ يعني: لما حبطت أعمالنا عندهم من بعثة الأنبياء وإنزال الكتب وإظهار المعجزات؛ لتكبرهم عنها جازيناهم بأن حبطت أعمالهم عندنا تكبراً عنها، نظيره قوله تعالى:
{ وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [الشورى: 40].
ثم أخبر عن جهل اليهود واتخاذهم العجل بالمعبود بقوله تعالى: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ } [الأعراف: 148] إلى قوله:
{ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [الأعراف: 151] الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً } إشارة إلى أن سامري الهوى من بعد توجه موسى الروح لميقات مكالمة الحق اتخذ من حليٍ زينة الدنيا ورعونات البشرية التي استعارها بنو إسرائيل صفات القلب قبط صفات النفس، { عِجْلاً جَسَداً } وهي الدنيا، { لَّهُ خُوَارٌ } يدعوا الخلق به إلى العبادة، { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ } [الأعراف: 148] عبدة عجل الدنيا أنه { لاَ يُكَلِّمُهُمْ } [الأعراف: 148] بالخير، { وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً } [الأعراف: 148] إلى الحق، { ٱتَّخَذُوهُ } [الأعراف: 148] إلهاً ومعبوداً بالجهل، { وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } [الأعراف: 148] في ذلك؛ لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها، وبدلوا طلب الحق ومحبته بطلب الدنيا ومحبتها.
وفي قوله تعالى: { وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ } الأعراف: 149] إشارة إلى أن صفات القلب لمَّا أيدت بتأييد الحق علمت أنها ضلت طريق الحق، وأخطأت فيما تعلقت برعونات البشرية عند غيبة موسى الروح إلى قوم أوصاف الإنسان، وتغييره إياها فيما فعلت من الالتفات إلى الدنيا وزينتها ندمت من فعلها وعادت إلى ما كانت فيه من عبودية الحق والإخلاص في طلبه، وذلك قوله تعالى { قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا } [الأعراف: 149]؛ يعني: بجذبات العناية، { وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 149] الذين يعبدون الدنيا وزينتها وشهواتها من صفات النفس.