خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ
١٥٧
قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
١٥٨
وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
١٥٩
-الأعراف

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن أمة هذا النبي من المؤمن والولي بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } إشارة إلى أن في أمته من يكون مستعداً لاتباعه في هذه المقامات الثلاثة وهي: مقام الرسالة والنبوة: التي هي شركة بينه وبين الأنبياء والرسل، والمقام الأمي: الذي هو مخصوص به صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء - عليهم السلام -؛ ومعنى الأمي: أنه كان أم الموجودات وأصلها سمي أمياً، كما سميت مكة أم القرى؛ لأنها كانت مبدأ القرى وأصلها، وكما سمى أم الكتاب أما؛ لأنها مبدأ الكتب وأصلها، فأما إتباعه في مقام الرسالة فإنه يأخذ منه ما آتاه الرسول وينتهي عما نهاه، كما قال تعالى: { وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [الحشر: 7].
فإن الرسالة تتعلق بأحكام الظاهر، والنبوة تتعلق بأحكام الباطن، فللعوام شركة مع الخواص في الانتفاع من الرسالة، وللخواص اختصاص بالانتفاع من النبوة، فمن أدى حقوق أحكام الرسالة في الظاهر يفتح له أحوال النبوة في الباطن، من مقام الأنبياء تنبئة الحق تعالى بحيث يصير صاحب الإشارات والإلهامات الصادقة والرؤيا الصالحة والهواتف الملكية، وربما يؤول حاله إلى أن يكون صاحب المكالمة والمشاهدة والمكاشفة، ولعل ما يصير مأموراً بدعوة الخلق إلى الحق في المتابعة لا بالاستقلال، كما قال صلى الله عليه وسلم:
"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل" يشير إلى هذا المقام، وذلك أن المتقدمين من بني إسرائيل في زمن الأنبياء - عليهم السلام - لما وصلوا إلى مقام الأنبياء أعطوا النبوة - والله أعلم - وكانوا مقررين لدين رسولهم، حاكمين بالكتب المنزلة على رسلهم، فكذلك هؤلاء القوم كما قال: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } [الأنبياء: 37].
وأما أتباعه في مقام أمته صلى الله عليه وسلم فكذلك مخصوص بأخص الخواص من متابعيه، وهوأنه صلى الله عليه وسلم رجع بالسير من مقام بشريته إلى مقام روحانيته الأولى، ثم بجذبات الوحي أنزل في مقام التوحيد، ثم اختطف بأنوار الهوية عن أنانيته إلى مقام الوحدة كما قال:
{ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [الكهف: 110] كما قال تعالى: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } [النجم: 8-9]، فقاب قوسين عبارة عن: مقام التوحيد، أو أدنى: عن مقام الوحدة تفهم - إن شاء الله تعالى - فمن رجع بالسير في متابعته عن مقام البشرية إلى أن بلغ مقام الروحانية، ثم بجذبات النبوة في مقام التوحيد، ثم اختطف بأنوار المتابعة عن أنانيته إلى مقام الوحدة، فقد حظي بمقام أميته صلى الله عليه وسلم.
وفي قوله: { ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [الأعراف: 157] يشير إلى أنه مكتوباً عندهم وإلاَّ فهو مكتوب عنده
{ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ } [القمر: 55]، { يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ } [الأعراف: 157] وهو طلب الحق والميل إليه، { وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [الأعراف: 157] وهو طلب ما سواه والانقطاع عنه، { وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ } [الأعراف: 157] إلى القربات إلى الله تعالى، وإن الطيب هو الله تعالى، { وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ } [الأعراف: 157] وهي الدنيا وما يباعدهم عن الله، { وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ } [الأعراف: 157]؛ يعني: إصرهم من العهد الذي كان بين الله تعالى وبين حبيبه صلى الله عليه وسلم، بأن لا يوصل أحد إلى مقام أميته وحبيبته إلا أمته وأهل شفاعته تبعيته، كما قال تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31]، وقال صلى الله عليه وسلم: "الناس يحتاجون إلى شفاعتي حتى إبراهيم" ، فكان من هذا العهد عليهم شدة وأغلال منعهم من الوصل إلى هذا المقام.
فقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم عنهم الإصر والأغلال بالدعوة إلى متابعته، يؤكد هذا المعنى قوله تعالى: { فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ } [الأعراف: 157]؛ أي: وقروه، واختصاص هذا المقام أنه مخصوص به من بين سائر الأنبياء والرسل، { وَنَصَرُوهُ } [الأعراف: 157] بالمتابعة، { وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ } [الأعراف: 157]؛ يعني: حين اختطف بأنوار الهداية عن أنانيته فاستفاد نور الوحدة، كما قال تعالى:
{ قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ } [المائدة: 15]؛ يعني: محمد صلى الله عليه وسلم، { وَكِتَابٌ مُّبِينٌ } [المائدة: 15]؛ يعني القرآن، فأمروا بمتابعة هذا النور؛ ليقتبسوا منه نور الوحدة فيفوزوا بالسعادة الكبرى والنعمة العظمى.
{ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [الأعراف: 157] من حجب الأنانية الفائزون بنور الوحدة، ثم أمر الله تعالى حبيبه صلى الله عليه وسلم أن يخبرهم أنه هو رسول الله المبعوث إليهم جميعاً، ثم بعد تعريفه لهم عرف نفسه فقال تعالى: { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 158]؛ أي: سماوات القلوب وأرض النفوس، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [الأعراف: 158]؛ أي: لا مدبر فيهما غيره، { يُحْيِـي } [الأعراف: 158] قلب من يشاء بنور الوحدة، { وَيُمِيتُ } [الأعراف: 158] نفسه عن صفات البشرية والأنانية، { فَآمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ٱلنَّبِيِّ ٱلأُمِّيِّ ٱلَّذِي يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ } [الأعراف: 158]؛ يعني: آمنوا إيمان أهل التوحيد بالله وبرسوله المخصوص بعد الرسالة والنبوة بالله بنور الله وهو: نور الوحدة، وكلماته وهي: ما أوحى الله إليه ليلة المعراج بلا واسطة، كما قال تعالى:
{ ءَامَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ } [البقرة: 285]؛ يعني: إيمان العيان في مقام الوحدة.
ثم أمرهم باتباعه للوصول إلى مقام الوحدة وخصوصية أميته، فقال تعالى: { وَٱتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 158-159] إلى قوله:
{ بِمَا كَانُواْ يَظْلِمُونَ } [الأعراف: 162] الإشارة فيها: أن الله تعالى بعد إظهار كمالات أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم خواص القوم، ثم أخبر عن عوامهم؛ ليظهر الفرق بين الفريقين، فقال تعالى: { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } يعني: خواصهم الذي يرشدون الخلق بالكتاب المنزل بالحق على موسى عليه السلام.
{ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 159]؛ أي: به يحكمون بين العوام فشتان بين أمة أمية بلغوا أعلى مراتب الروحانية بالسير في متابعة النبي الأمي، ثم اختطفوا عن انانية روحانيتهم بجذبات أنوار المتابعة إلى مقام الوحدة التي هي مصدر وجودهم في بقاء الوحدة كما قال تعالى:
"كنت له سمعاً وبصراً ولساناً فبي يسمع وبي يبصر وبي ينطق" وللرجوع والوصول إلى هذا المقام سُموا أمِّيون، فإنهم رجعوا إلى أصلهم الذي صدروا منه إيجاداً وبين أمة كان نبيهم محجوباً بحجاب الأنانية عند سؤال الرؤية بقوله تعالى: { أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143] فأجب: { لَن تَرَانِي } [الأعراف: 143] لأنك كنت بك لا بي، فإنه لا يراني إلا من كان بي لابه، فأكون بصره الذي يبصر به، وهذا مقام الأمة الأمية، فلهذا قال موسى عليه السلام: اللهم اجعلني من أمة أحمد شوقاً إلى لقاء ربه، فافهم جدّاً.