خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ
٦
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ
٧
كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ
٨
-التوبة

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

ثم أخبر عن حال المشركين وقتلهم بقوله تعالى: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } إلى قوله: { يَنتَهُونَ } [التوبة: 12].
الإشارة فيه قوله تعالى: { فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ } يشير إلى استكمال الأوصاف الأربعة التي بها قوام الإنسان من النباتية والحيوانية والشيطانية كما مرَّ ذكرها في الآيات المتقدمة؛ يعني: مهما كملت النفس هذه الصفات بها تصير مشركة؛ لأن بهذه الأوصاف تميل إلى الدنيا وزخارفها وتعبد الهوى والشيطان، { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي: النفوس المشركة بسيف الصدق وقتلها في نهيها عن هواها ومنعها عن مشتهاها واستعمالها على خلاف طبعها وضد طبيعتها.
{ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] يعني: في الطاعة والمعصية، فقتلها في الطاعة بملازمتها ومداومتها عليها، وفي المعصية بنظافتها عن مشاربها فيها وإعجابها بها وتحصيلها إياها، { وَخُذُوهُمْ } [التوبة: 5] بآداب الطريقة، { وَٱحْصُرُوهُمْ } [التوبة: 5] والجأوهم إلى حصار الحقيقة.
{ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ } [التوبة: 5] يشير إلى مراقبة أحوال النفوس وشد طرف خيلها، أي: ارقبوا مقرها ومهربها، { فَإِن تَابُواْ } [التوبة: 5] رجعوا إلى الله ورجعت النفوس عن هواها إلى طلب الحق تعالى، { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ } [التوبة: 5] أي: داومت على العبودية والتوجه الحق، { وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ } [التوبة: 5] عن أوصافها الذميمة، { فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ } [التوبة: 5] عن مفلسات الشدائد بالرياضات والمجاهدات؛ ليعلموا بالشريعة بعد الوصول إلى الحقيقة، فإن النهاية هي الرجوع إلى البداية، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } [التوبة: 5] يستر بصفاته الراجعين إليه، { رَّحِيمٌ } [التوبة: 5] بإقباله إليهم لحصولهم لديه.
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 6] يعني: من مشركي النفوس يشير إلى إحدى صفات النفوس، { ٱسْتَجَارَكَ } [التوبة: 6] بالقلب يعني: بعض صفات النفس إن مال إلى جوار القلب، ويرغب في نوع من العبودية وترك ما هو المخصوص به من الصفات الذميمة، { فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } [التوبة: 6] حتى يلهم بإلهام الله ويميز به الفجور والتقوى، فتتزكى عن الفجور وتحلى بالتقوى، { ثُمَّ أَبْلِغْهُ } [التوبة: 6] بالإخلاص والاجتهاد، { مَأْمَنَهُ } [التوبة: 6] وهو دار الجذبة الإلهية، وإن الجذبة إذا تعقلت بصفة من صفات النفس تنجذب النفس بجميع صفاتها من سطوة جذبة الحق، فإن بطش ربك لشديد، { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ } [التوبة: 6] يعني: النفس وصفاتها، { قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ } [التوبة: 6] الله والطاعة فلا يقبلون إليه ويعلمون الدنيا وشهواتها فيرغبون إليها.
{ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ } [التوبة: 7] يشير إلى مشركي النفوس كيف يكون، إمَّا ثبات على العهد الذي عاهدت الله تعالى يوم الميثاق على أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً من الدنيا والآخرة، وذلك أن النفس ما دامت حية باقية على صفاتها الذميمة غير المبدلة بالحميدة، ولا يمكنها العبودية الخالصة من قرب الطمع في المقاصد الدنيوية والأخروية؛ لأنها خلقت من السفليات وجبلت ميالة إلى الدنيا وشهواتها ولذاتها بالطبع وإن صقل الطبع الطمع بالتزكية عنها وآل إلى الصلاح أمرها وتخلقت بالأخلاق الروحانية، فحينئذٍ تميل من الشهوات الدنيوية الفانية إلى شهوات نعيم الجنة الباقية كقوله تعالى:
{ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ } [الزخرف: 71].
{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } التوبة: 7] وهو مقام الوصول الذي حرام على أهل الدنيا والآخرة وهو مقام أهل الله خاصة، فإن النفس إذا تنورت بالأنوار المنعكسة من تجلي صفات الجلال والجمال لمرآة القلب تفنى عن أوصافها المخلوقية وتبقى بالأنوار الخالقية، فيثبتها الله على العهد بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة محفوظة عن خصائصها، { فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ } [التوبة: 7] عن الصراط المستقيم فتصهر بالدين القيوم، { فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ } [التوبة: 7] على مهادنة النفوس من ترك جهادها بشدائد فتك الطريقة وسَرح في رياض متسع الشريعة، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [التوبة: 7] أي: النفوس المتقية بالله عمَّا سواه.
ثم أخبر عن خصوصية النفوس، وإنها لا تصلح للثبات على الاستقامة، وأنها غير مأمونة عنها فقال: { كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } [التوبة: 8] إلى قوله:
{ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } [التوبة: 12] يشير إلى أن النفس في جميع الأحوال مترقبة للظفر بالقلب والروح، { لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً } [التوبة: 8] أي: لا يحفظوا فيكم حقوق الجنسية، فإن الخليقة بعضها من بعض الأرواح والقلوب والنفوس والأصدقاء بالعهد، فإنها مجبولة على الجفاء ونقض العهود، { يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ } [التوبة: 8] بالأعمال الظاهرة، { وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ } [التوبة: 8] طبيعتهم وجبلتهم اختياراً ما يرضونكم به اضطراراً، { وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ } [التوبة: 8] فيما يعملون للرياء والنفاق خارجون عن الصدق والإخلاص.