خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ
١٥
أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٦
-هود

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: روي في الشواذ قراءة أبي وابن مسعود وباطلاً ما كانوا يعملون.
الحجة: الوجه فيه أن يكون باطلاً منصوباً بيعلمون وما مزيدة للتوكيد فكأنه قال وباطلاً كانوا يعملون ومثله قوله
{ { أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون } [سبأ: 40].
اللغة: الزينة تحسين الشيء بغيره من لبسة أو حلية أو هيئة يقال زانه يزينُه زينة وزيَّنه يزيِّنهُ تزييناً والتوفية تأدية الحق على تمام والبخس نقصان الحق وكل ظالم باخس لأنه يظلم غيره بنقصان حقه وفي المثل أتحسبها حمقاء وهي باخس.
الإعراب: قال الفراء كان هذه هنا زائدة وتقديره من يرد الحياة الدنيا وقال غيره معناه أن يصح أنه كان كقوله سبحانه
{ { إن كان قميصه قدَّ من دبر } [يوسف: 27] ولا يجوز مثل ذلك في غير كان لأنها أُمُّ الأفعال قال أبو علي: الشرط والجزاء لا يقعان إلا فيما يستقبل فحرف الجزاء يحيل معنى الماضي إلى الاستقبال لا محالة ولو جاز وقوع الماضي بعدها على معناها لما جزمت ألا ترى إن لو لم تجزم وإن كان فيها معنى الشرط والجزاء لوقوع الماضي بعدها على بابه نحو لو جئتني أمس لأكرمتك.
المعنى: { من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها } أي زهرتها وحسن بهجتها ولا يريد الآخرة { نوفِّ إليهم أعمالهم فيها } أي نوفّر عليهم جزاء أعمالهم في الدنيا تاماً { وهم فيها لا يبخسون } أي لا ينقصون شيئاً منه واختلف في معناه فقيل: إن المراد به المشركون الذين لا يصدّقون بالبعث يعملون أعمال البر كصلة الرحم وإعطاء السائل والكف عن الظلم وإغاثة المظلوم والأعمال التي يحسنها العقل كبناء القناطير ونحوه فإن الله يعجل لهم جزاء أعمالهم في الدنيا بتوسيع الرزق وصحة البدن والإمتاع بما خوَّلهم وصرف المكاره عنهم عن الضحاك وقتادة وابن عباس. ويقال: إن من مات منهم على كفره قبل استيفاء العوض وضع الله عنه في الآخرة من العذاب بقدره فأما ثواب الآخرة فلا حظَّ لهم فيه. وقيل: المراد به المنافقون الذين كانوا يغزون مع النبي صلى الله عليه وسلم للغنيمة دون نصرة الدين وثواب الآخرة جازاهم الله تعالى على ذلك بأن جعل لهم نصيباً في الغنيمة عن الجبائي. وقيل: إن المراد به أهل الرياء فإن من عمل عملاً من أعمال الخير يريد به الرياء لم يكن لعلمه ثواب في الآخرة ومثله قولـه تعالى
{ { ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب } } [الشورى: 20] وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بشّروا أمتي بالسناء والتمكين في الأرض ومن عمل منهم عملاً للدنيا لم يكن له نصيب في الآخرة" .
{ أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار } ظاهر المراد { وحبط ما صنعوا فيها } فلا يستحقُّون عليه ثواباً لأنهم أوقعوه على خلاف الوجه المأمور بإيقاعه عليه { وباطل ما كانوا يعملون } أي بطل أعمالهم التي عملوها لغير الله تعالى وهذا يحقق ما ذهبنا إليه من أن الإحباط عبارة عن إبطال نفس العمل بأن يقع على غير الوجه الذي يستحق به الثواب وذكر الحسن في تفسيره أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عند أهله فإذا جارية عليها ثياب وهيئة فجلس عندها فقامت فأهوى بيده إلى عارضها فمضت فأتبعها بصره ومضى خلفها فلقيه حائط فخمش وجهه فعلم أنه أصيب بذنبه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال أنت رجل عجَّل الله عقوبة ذنبك في الدنيا إن الله تعالى إذا أراد بعبد شراً أمسك عنه عقوبة ذنبه حتى يوافي به يوم القيامة وإذا أراد به خيراً عجَّل له عقوبة ذنبه في الدنيا.
النظم: وجه اتصال الآية بما قبلها أنه سبحانه لما قال { فهل أنتم مسلمون } فكأن قائلاً قال إن أظهرنا الإسلام لسلامة المال والنفس يكون ماذا. فقال: من أراد الدنيا دون الآخرة سواء أرادها بإظهار الإسلام أو أرادها بسائر المساعي فسبيله هذا.