خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ
١٠٣
وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
١٠٤
وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ
١٠٥
وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِٱللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ
١٠٦
أَفَأَمِنُوۤاْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ ٱللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ ٱلسَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ
١٠٧
-يوسف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة عكرمة وعمرو بن فائد والأرضُ يمرون عليها بالرفع وقراءة السدي والأرض نصباً والقراءة المشهورة بالجر.
الحجة: من رفع أو نصب وقف على السماوات ثم ابتدأ والأرض فالرفع على الابتداء والجملة بعدها خبره والعائد إلى المبتدأ الهاء من عليها والضمير في عنها عائد إلى الآية وأما النصب فبفعل مضمر تقديره ويطؤون الأرض ويؤيد ذلك قراءة ابن مسعود يمشون عليها فلما أضمر الفعل الناصب فسَّره بقولـه { يمرون عليها } ومن جرَّ الأرض على قراءة القراء فإن شاء وقف على الأرض وإن شاء وقف آخر الآية.
اللغة: الحرص طلب الشيء باجتهاد في إصابته والعالم الجماعة من الحيوان التي من شأنها أن تعلم مأخوذ من العلم. وقيل: لما حواه الفلك عالم على سبيل التبع للحيوان الذي ينتفع به وهو مخلوق لأجله والغاشية المجللة للشيء بانبساطها عليه وغشيه يغشاه إذا غطاه والغشاء الغطاء والبغتة الفجأة وهي مجيء الشيء من غير توقع.
الإعراب: وكأين في معنى كم وأصلها أي دخلت عليها الكاف وبغتة مصدر وضع موضع الحال تقول لقيته بغتة وفجاءة.
المعنى: لمّا تقدَّم ذكر الآيات والمعجزات التي لو تفكروا فيها عرفوا الحق من جهتها فلم يتفكروا بيَّن عقيبها أن التقصير من جهتهم حيث رضوا بالجهل وليس من جهته سبحانه لأنه نصب الأدلة والبينات ولا من جهتك لأنك دعوتهم. فقال: { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } أي وليس أكثر الناس بمصدِّقين ولو حرصت على إيمانهم وتصديقهم واجتهدت في دعائهم إليه وإرشادهم إليه لأن حرص الداعي لا يغني شيئاً إذا كان المدعو لا يجيب.
{ وما تسألهم عليه من أجر } أي ولا تسألهم على تبليغ الرسالة وبيان الشريعة أجراً فيصدَّهم ذلك عن القبول ويمنعهم من الإيمان ويثقل عليهم ما يلزمهم من الغرامة فأعذارهم منقطعة { إن هو إلا ذكر للعالمين } أي ما القرآن إلا موعظة وعبرة وتذكير للخلق أجمعين فلست بنذير لهؤلاء خاصة.
{ وكأين من آية } أي كم من حجة ودلالة { في السماوات والأرض } تدل على وحدانية الله تعالى من الشمس والقمر والنجوم في السماء ومن الجبال والشجر وألوان النبات وأحوال المتقدمين وآثار الأمم السالفة في الأرض { يمرُّون عليها } ويبصرونها ويشاهدونها { وهم عنها معرضون } أي هم عن التفكر فيها والاعتبار بها معرضون لا يتفكرون فيها يعني الكفار { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } اختلف في معناه على أقوال.
أحدها: أنهم مشركو قريش كانوا يقرُّون بالله خالقاً ومحيياً ومميتاً ويعبدون الأصنام ويدعونها آلهة مع أنهم كانوا يقولون الله ربنا وإلهنا يرزقنا فكانوا مشركين بذلك عن ابن عباس والجبائي.
وثانيها: إنها نزلت في مشركي العرب إذ سألوا من خلق السماوات والأرض وينزل المطر. قالوا: الله ثم هم يشركون وكانوا يقولون في تلبيتهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك عن الضحاك.
وثالثها: أنهم أهل الكتاب آمنوا بالله واليوم الآخر والتوراة والإنجيل ثم أشركوا بإنكار القرآن وإنكار نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن الحسن وهذا القول مع ما تقدمه رواه دارم بن قبيصة عن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن جده عن أبي عبد الله (ع).
ورابعها: أنهم المنافقون يظهرون الإيمان ويشركون في السر عن البلخي.
وخامسها: أنهم المشبهة آمنوا في الجملة وأشركوا في التفصيل وروي ذلك عن ابن عباس.
وسادسها: أن المراد بالإشراك شرك الطاعة لا شرك العبادة أطاعوا الشيطان في المعاصي التي يرتكبونها مما أوجب الله عليها النار فأشركوا بالله في طاعته ولم يشركوا بالله شرك عبادة فيعبدون معه غيره عن أبي جعفر (ع).
وروي عن أبي عبد الله أنه قول الرجل لولا فلان لهلكت ولولا فلان لضاع عيالي جعل لله شريكاً في ملكه يرزقه ويدفع عنه. فقيل: له لو قال لولا أن منَّ عليَّ بفلان لهلكت. فقال: لا بأس بهذا وفي رواية زرارة ومحمد بن مسلم وحمران عنهما (ع) أنه شرك النعم وروى محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: إنه شرك لا يبلغ به الكفر.
{ أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله } أي أفأمن هؤلاء الكفار أن يأتيهم عذاب من الله سبحانه يُعمُّهم وحيط بهم وهي من غاشية السرج لأنها تعمه بالسر وإنما أتى بلفظة التأنيث على تقدير العقوبة أي عقوبة مجللة لجميعهم عن ابن عباس. وقيل: هو عذاب الاستئصال عن مجاهد وأبي مسلم. وقيل: هي الصواعق والقوارع عن الضحاك { أو تأتيهم الساعة } يعني القيامة { بغتة } أي فجأة على غفلة منهم { وهم لا يشعرون } بقيامها. قال ابن عباس: تهجم الصيحة بالناس وهم في أسواقهم.