مجمع البيان في تفسير القرآن
القراءة: قرأ يعقوب صراطٌ عليٌّ بالرفع وهي قراءة أبي رجاء وابن سيرين وقتادة والضحاك ومجاهد وقيس بن عبادة وعمرو بن ميمون، وروي ذلك عن أبي عبد الله (ع) والباقون من القراء قرأوا عَلَيَّ.
الحجة: قال ابن جني عَلِيٌّ هنا كقولهم كريم شريف وليس المراد به علو الشخص والنصبة وقال أبو الحسن في قراءة الجماعة هذا صراط عَليَّ مستقيم هو كقولك الدلالة اليوم عليَّ على أي هذا صراط في ذمتي وتحت ضماني كقولك صحة هذا المال علي وتوفية عدته علَيَّ وليس معناه عنده مستقيم عَليَّ كقولنا قد استقام على الطريق واستقرَّ على كذا وما أحسن ما ذهب إليه أبو الحسن فيه.
اللغة: الإغواء الدعاء إلى الغي والإغواء خلاف الإرشاد وهذا أصله وقد يكون بمعنى الحكم بالغي على وجه الذم والتزيين جعل الشيء متقبلاً في النفس من جهة الطبع أو العقل بحق أو الباطل, وإغواء الشيطان تزيينه الباطل حتى يدخل صاحبه فيه.
المعنى: ثم بيَّن سبحانه ما سأله إبليس عند إياسه من الآخرة فقال عز اسمه { قال رب فأنظرني } أي فامهلني وأخِّرني { إلى يوم يبعثون } أي يحشرون للجزاء استنظره إبليس إلى يوم القيامة لئلا يموت إذ يوم القيامة لا يموت فيه أحد فلم يجبه الله تعالى إلى ذلك بل { قال } له { فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم } الذي هو آخر أيام التكليف وهو النفخة الأولى حين يموت الخلائق عن ابن عباس وقيل الوقت المعلوم يوم القيامة أنظره الله سبحانه في رفع العذاب عنه إلى يوم القيامة عن الحسن والجبائي وأبي مسلم وقيل هو الوقت الذي قدَّر الله أجله فيه وهو معلوم لله سبحانه غير معلوم لإبليس فأبهم ولم يبيّن لأن في بيانه إغراء بالمعصية عن البلخي.
واختلف في تجويز إجابة دعاء الكافر وقال الجبائي لا يجوز لأن في إجابة الدعاء تعظيماً له وقال ابن الإخشيد يجوز ذلك لأن الإجابة كالنعمة في احتمالها أن يكون ثواباً وتعظيماً وأن يكون استصلاحاً ولطفاً.
{ قال } إبليس { رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين } قيل فيه أقوال أحدها: أن الإغواء الأول والثاني بمعنى الإضلال أي كما أضللتني لأضلنَّهم وهذا لا يجوز لأن الله سبحانه لا يضل عن الدين إلا أن يحمل على أن إبليس كان معتقداً للخير وثانيها: أن الإغواء الأول والثاني بمعنى التخييب أي بما خيبتني من رحمتك لأخيبنهم بالدعاء إلى معصيتك عن الجبائي وثالثها: أن معناه بما أضللتني عن طريق جنتك لأضلنهم بالدعاء إلى معصيتك ورابعها: بما كلفتني السجود لآدم الذي غويتُ عنده فسمي ذلك غواية كما قال { { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } لما ازدادوا عندها [التوبة: 125] عن البلخي والباء في قوله بما أغويتني قيل إن معناها القسم ها هنا عن أبي عبيدة. وقيل هي بمعنى السبب أي بكوني غاوياً لأزينن كما يقال بطاعته لندخلن الجنة وبمعصيته لندخلن النار ومفعول التزيين محذوف وتقديره لأزيننَّ الباطل لهم أي لأولاد آدم حتى يقعوا فيه.
ثم استثنى من جملتهم فقال { إلا عبادك منهم المخلصين } وهم الذين أخلصوا عبادتهم لله وامتنعوا عن عبادة الشيطان وانتهوا عما نهاهم الله عنه ومن قرأ المخلصين بفتح اللام فهم الذين أخلصهم الله بأن وفّقهم لذلك ولطف لهم فيه ليس للشيطان عليهم سبيل.
{ قال } الله سبحانه { هذا صراط علي مستقيم } قيل فيه وجوه أحدها: أنه على وجه التهديد له كما تقول لغيرك افعل ما شئت وطريقك عليَّ أي لا تفوتني عن مجاهد وقتادة ومثله قوله { { إن ربك لبالمرصاد } [الفجر: 14 } وثانيها: معناه أن ما نذكره من أمر المخلصين والغاوين طريق ممره عليَّ أي ممر من مسلكه علي مستقيم لا عدول فيه عني وأجازي كلاً من الفريقين بما عمل وثالثها: أن معناه هذا دين مستقيم عليَّ بيانه والهداية إليه.
{ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان } هذا إخبار منه تعالى بأن عباده الذين يطيعونه وينتهون إلى أوامره لا سلطان للشيطان عليهم ولا قدرة له على أن يكرههم على المعصية ويحملهم عليها ولكن من يتبعه فإنما يتبعه باختياره. قال الجبائي: وذلك يدل على أن الجن لا يقدرون على الإضرار ببني آدم لأنه على عمومه. ثم استثنى سبحانه من جملة العباد من يتبع إبليس على إغوائه وينقاد له ويقبل منه فقال { إلا من اتبعك من الغاوين } لأنه إذا قبل منه صار له عليه سلطان بعدوله عن الهدى إلى ما يدعوه إليه من اتباع الهوى وقيل إن الاستثناء منقطع والمراد لكن من اتبعك من الغاوين جعل لك على نفسه سلطاناً.
{ وإن جهنم لموعدهم أجمعين } أي موعد إبليس ومن تبعه { لها سبعة أبواب } فيه قولان أحدها: ما روي عن أمير المؤمنين (ع) أن جهنم لها سبعة أبواب أطباق بعضها فوق بعض ووضع إحدى يديه على الأخرى فقال هكذا وإن الله وضع الجنان على العرض ووضع النيران بعضها فوق بعض فأسفلها جهنم وفوقها لظى وفوقها الحطمة وفوقها سقر وفوقها الجحيم وفوقها السعير وفوقها الهاوية. وفي رواية الكلبي أسفلها الهاوية وأعلاها جهنم. وعن ابن عباس: أن الباب الأول جهنم والثاني سعير والثالث سقر والرابع جحيم والخامس لظى والسادس الحطمة والسابع الهاوية اختلفت الروايات في ذلك كما ترى وهو قول مجاهد وعكرمة والجبائي قالوا إن أبواب النيران كإطباق اليد على اليد.
والآخر: ما روي عن الضحاك قال للنار سبعة أبواب وهي سبعة أدراك بعضها فوق بعض فأعلاها فيه أهل التوحيد يعذَّبون على قدر أعمالهم وأعمارهم في الدنيا ثم يخرجون والثاني فيه اليهود والثالث فيه النصارى والرابع فيه الصابئون والخامس فيه المجوس والسادس فيه مشركو العرب والسابع فيه المنافقون وذلك قوله إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار وهو قول الحسن وأبي مسلم والقولان متقاربان { لكل باب منهم } أي من الغاوين { جزء مقسوم } أي نصيب مفروض عن ابن عباس.