خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ
٩٢
عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٩٣
فَٱصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ
٩٤
إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ
٩٥
ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلـٰهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ
٩٦
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ
٩٧
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
٩٨
وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ
٩٩
-الحجر

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الصدع والفرق والفصل نظائر وصدع بالحق إذا تكلم به جهاراً قال أبو ذؤيب:

وَكـَـأَنَّهــُـنَ رِبــابَــةٌ وَكَـأَنـَّهُ سرٌّ يُفِيضُ عَلَى القِداحِ وَيَصْدَعُ

والصديع الصبح قال:

كَــأَنَّ بَيــاضُ غُرَّتِــهِ الصَّديــعُ

الإعراب: فاصدع بما تؤمر إن جعلت ما بمعنى الذي كان العائد من الصلة إلى الموصول محذوفاً ويكون تقديره على استعمال الصيغة فيه فاصدع بما تؤمر بالصدع به ثم تحذف الباء التي في به فيصير بالصدعة, ولا يجوز الإضافة مع لام المعرفة فتحذف لام المعرفة توصلاً بحذفه إلى الإضافة فيصير بما تؤمر بصدعه ثم يحذف المضاف ويقيم المضاف إليه مقامه فيبقى بما تؤمر به ثم يحذف حرف الجر على حد قولك أمرتك الخير في أمرتك بالخير فيصير بما تؤمره, ثم يحذف العائد المنصوب من الصلة على ما قد تكرر بيانه في مواضع فيصير بما تؤمر. وهذا من لطائف أسرار النحو وإن جعلت ما مصدرية كان على تقدير فاصدع بالأمر كما تقول عجبت مما فعلت والتقدير عجبت من فعلك ولا يحتاج هنا إلى عائد يعود إلى ما لأنه حرف وحكى يونس النحوي عن رؤبة أنه قال في هذه اللفظة أفصح ما في القرآن.
المعنى: لما بيَّن سبحانه كفرهم بالقرآن وتعضيتهم له بيَّن عقيب ذلك لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه يسألهم عما فعلوه ويجازيهم عليه فقال { فوربك } يا محمد { لنسئلنهم أجمعين } أقسم بنفسه وأضاف نفسه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم تشريفاً له وتنبيهاً للخلق على عظيم منزلته عنده لنسألن هؤلاء الكفار سؤال توبيخ وتقريع بأن نقول لهم لم عصيتم وما حجتكم في ذلك فيظهر عند ذلك خزيهم وفضيحتهم عند تعذر الجواب { عما كانوا يعملون } معناه عما عملوا فيما عملوا عن سفيان بن عيينة وقيل عن لا إله إلا الله والإيمان برسله عن الكلبي وقيل عما كانوا يعبدون وبماذا أجابوا المرسلين عن أبي العالية.
{ فاصدع بما تؤمر } أي أظهر وأعلن وصرح بما أمرت به غير خائف عن ابن عباس وابن جريج ومجاهد وابن زيد, وقيل معناه فافرق بين الحق والباطل بما أمرت به عن الجبائي والأخفش وقيل أبن ما تؤمر به وأظهره عن الزجاج قال وتأويل الصدع في الزجاج وفي الحائط أن تبين بعض الشيء عن بعض.
{ وأعرض عن المشركين } أي لا تخاصمهم إلى أن تؤمر بقتالهم وقيل معناه لا تلتفت إليهم ولا تخف عنهم عن أبي مسلم وقيل وأعرض عن مجاوبتهم إذا آذوك عن الجبائي { إنا كفيناك المستهزئين } أي كفيناك شر المستهزئين واستهزاءهم بأن أهلكناهم وكانوا خمسة نفر من قريش العاص بن وائل والوليد بن المغيرة وأبو زمعة وهو الأسود بن المطلب والأسود بن عبد يغوث والحرث بن قيس عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقيل كانوا ستة رهط عن محمد بن ثور وسادسهم الحارث بن الطلاطلة وأمه عيطلة. قالوا: وأتى جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم والمستهزؤون يطوفون بالبيت فقام جبرائيل ورسول الله إلى جنبه فمرَّ به الوليد بن المغيرة المخزومي فأومى بيده إلى ساقه فمرَّ الوليد على قين لخزاعة وهو يجرُّ ثيابه فتعلقت بثوبه شوكة فمنعه الكبر أن يخفض رأسه فينزعها وجعلت تضرب ساقه فخدشته فلم يزل مريضاً حتى مات, ومرَّ به العاص بن وائل السهمي فأشار جبرائيل إلى رجله فوطىء العاص على شوكة فدخلت في أخمص رجله فقال لدغت فلم يزل يحكها حتى مات. ومرَّ به الأسود بن المطلب بن عبد مناف فأشار إلى عينه فعمي وقيل رماه بورقة خضراء فعمي وجعل يضرب رأسه على الجدار حتى هلك ومرَّ به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه فاستسقى فمات وقيل أصابه السموم فصار أسود فأتى أهله فلم يعرفوه فمات وهو يقول: قتلني رب محمد. ومرَّ به الحارث بن الطلاطلة فأومى إلى رأسه فامتخط قيحاً فمات. وقيل إن الحرث بن قيس أكل حوتاً مالحاً فأصابه العطش فما زال يشرب حتى انقدَّ بطنه فمات.
ثم وصفهم سبحانه بالشرك فقال { الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر } أي اتخذوا معه إلهاً يعبدونه { فسوف يعلمون } هذا وعيد لهم وتهديد { ولقد نعلم أنك } يا محمد { يضيق صدرك } أي قلبك { بما يقولون } من تكذيبك والاستهزاء بك وهذا تعزية من الله تعالى لنبيه وتطييب لقلبه { فسبح بحمد ربك } أي قل سبحان الله و بحمده { وكن من الساجدين } أي المصلين عن الضحاك وابن عباس. قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة وقيل معناه احمد ربك على نعمه إليك وكن من الذين يسجدون لله ويوجهون بعبادتهم إليه.
{ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } أي إلى أن يأتيك الموت عن ابن عباس والحسن ومجاهد. وقيل حتى يأتيك اليقين من الخير والشر عند الموت عن قتادة. وسمى الموت يقيناً لأنه موقن به ويحتمل أن يكون أراد حتى يأتيك العلم الضروري بالموت والخروج من الدنيا الذي يزول معه التكليف. قال الزجاج: المعنى اعبد ربك أبد الآبدين ولو قال اعبد ربك بغير توقيت لجاز أن يكون الإنسان مطيعاً إذا عبد الله مرة فإذا قال حتى يأتيك اليقين فقد أمر بالإقامة على العبادة أبداً ما دام حياً.