خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ
٧١
وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ
٧٢
وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ شَيْئاً وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ
٧٣
فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
٧٤
-النحل

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو بكر عن عاصم تجحدون بالتاء والباقون بالياء.
الوجه: الوجه في القراءة بالياء أنه يراد به غير المسلمين لأنه لا يخاطب المسلم بجحود نعم الله والوجه في القراءة بالتاء قل لهم أفبنعمة الله التي تقدم اقتصاصها تجحدون ويقوي الياء قوله: { وبنعمة الله هم يكفرون }
اللغة: الحفدة جمع حافد وأصل الحفد الإسراع في العمل ومنه ما جاء في الدعاء "وإليك نسعى ونحفد" ومرَّ البعير يحفد حفداً إذا مرَّ يسرع في سيره قال الراعي:

كَلَّفـْـتُ مَجْهُولَهــا نُوقـاً يَمانِيَةً إِذا لحُداةُ عَلى أكْسائِها حَفَدُوا

ومنه قيل للأعوان حفدة لإسراعهم في الطاعة قال جميل:

حَفَدَ الوَلائِدُ حَوْلَها وَاسْتَسْلَمَتْ بِــأَكُفِّهـنَّ أزِمـَّـةَ الأَجْمـَــالِ

الإعراب: فهم فيه سواء جملة اسمية وقعت موقع جملة فعلية في موضع النصب لأنه جواب النفي بالفاء والتقدير فيستووا شيئاً انتصب على أحد وجهين إما أن يكون بدلاً من رزقاً بمعنى أنه لا يملك رزقاً قليلاً ولا كثيراً وهو قول الأخفش وإما أن يكون مفعولاً لقوله: { رزقاً } فكأنه قال ما لا يملك لهم أن يرزق شيئاً وهو مما أعمل من المصادر المنونة.
المعنى: ثم عدَّد سبحانه نعمة منه أخرى فقال { والله فضل بعضكم على بعض في الرزق } فوسع على واحد وقتر على آخر على ما توجبه الحكمة { فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء } اختلف في معناه على قولين:
أحدهما: أنهم لا يشركون عبيدهم في أموالهم وأزواجهم حتى يكونوا فيه سواء ويرون ذلك نقصاً فلا يرضون لأنفسهم به وهم يشركون عبيدي في ملكي وسلطاني ويوجهون العبادة والقرب إليهم كما يوجهونها إليَّ عن ابن عباس ومجاهد وقتادة. وقال ابن عباس يقول إذا لم ترضوا أن تجعلوا عبيدكم شركاءكم فكيف جعلتم عيسى إلهاً معه وهو عبده ونزلت في نصارى نجران.
والثاني: أن معناه فهؤلاء الذين فضَّلهم الله في الرزق من الأحرار لا يرزقون مماليكهم بل الله تعالى رازق الملاك والمماليك فإن الذي ينفقه المولى على مملوكه إنما ينفقه مما رزقه الله تعالى فالله تعالى رازقهم جميعاً فهم سواء في ذلك.
{ أفبنعمة الله يجحدون } أي أفبهذه النعمة التي عددتها واقتصصتها يجحد هؤلاء الكفار ثم عدَّد سبحانه نعمة أخرى فقال { والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً } أي جعل لكم من جنسكم ومن الذين تلدونهم نساء جعلهن أزواجاً لكم لتسكنوا إليهن وتأنسوا بهن { وجعل لكم من أزواجكم } يعني من هؤلاء الأزواج { بنين } تسرُّون بهم وتزيّنون بهم { وحفدة } اختلف في معناه فقيل هم الخدم والأعوان عن ابن عباس والحسن وعكرمة, وفي رواية الوالبي هم أختان الرجل على بناته وهو المروي عن أبي عبد الله وابن مسعود وإبراهيم وسعيد بن جبير, وقيل هم البنون وبنو البنين عن ابن عباس في رواية أخرى ونصه عنه أيضاً أنهم بنو امرأة الرجل من غيره في رواية الضحاك وقيل البنون الصغار من الأولاد والحفدة الكبار منهم يسعون معه عن مقاتل.
{ ورزقكم من الطيبات } أي الأشياء التي تستطيبونها قد أباحها لكم وإنما دخلت من لأنه ليس كل ما يستطيبه الإنسان رزقاً له وإنما يكون رزقه ما له التصرف فيه وليس لأحد منعه منه { أفبالباطل يؤمنون } يريد بالباطل الأوثان والأصنام وما حرَّم عليهم وزيّنه الشيطان من البحائر وغيرها أي أفبذلك يصدّقون { وبنعمة الله } التي عدَّدها { هم يكفرون } أي يجحدون ويريد بنعمة الله التوحيد والقرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس.
{ ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً } أي لا يملك أن يرزقهم { من السماوات والأرض شيئاً ولا يستطيعون } شيئاً مما ذكرناه وقيل إن رزق السماء الغيث الذي يأتي من جهتها ورزق الأرض النبات والثمار وغير ذلك من أنواع النعم التي تخرج من الأرض { فلا تضربوا لله الأمثال } أي لا تجعلوا لله الأشباه والأمثال في العبادة فإنه لا شبه له ولا مثل ولا أحد يستحق العبادة سواه وإنما قال ذلك في اتخاذهم الأصنام آلهة عن ابن عباس وقتادة { إن الله يعلم } إن من كان إلهاً فإنه منزّه عن الشركاء { وأنتم لا تعلمون } ذلك بل تجهلونه ولو تفكرتم لعلمتم وقيل معناه والله يعلم ما عليكم من المضرة في عبادة غيره وأنتم لا تعلمون ولو علمتم لتركتم عبادتها.