خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٧٨
أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ ٱلطَّيْرِ مُسَخَّرَٰتٍ فِي جَوِّ ٱلسَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱللَّهُ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لأَيٰتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
٧٩
وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّن جُلُودِ ٱلأَنْعَامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَآ أَثَاثاً وَمَتَاعاً إِلَىٰ حِينٍ
٨٠
-النحل

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قد ذكرنا القراءة في أمهاتكم في سورة النساء وقرأ ابن عامر وحمزة ويعقوب وسهل وخلف { ألم تروا } بالتاء والباقون بالياء وقرأ أهل الكوفة وابن عامر ظعنكم ساكنة العين والباقون بفتح العين.
الحجة: من قرأ { ألم تروا } بالتاء فإنه يدل عليه ما قبله من قوله: { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ولعلكم تشكرون } ومن قرأ بالياء فإنه على وجه التنبيه لمن تقدم ذكرهم من الكفار والظعَن والظعن بفتح العين وسكونها لغتان ومثله النهر والنهر والشمع والشمع قال الأعشى:

فَقَدْ أشْرَبُ الرّاحَ قَدْ تَعْلَمِينَ يَـوْمَ المَقــامِ وَيـَوْمَ الظَّعَنْ

قال أبو علي: ولا يجوز أن يكون الظعن مخففاً عن الظعن كما أن عَضْداً مخففاً عن عضُد وكتفاً مخففاً عن كتف. ألا ترى أن من قال ذلك لم يخفف نحو جمل ورسن كما أن الذي يقول والليل إذا يسر وذلك ما كنا نبغ لا يقول والليل إذا يغش وحرف الحلق وغيره في ذلك سواء.
اللغة: الأمهات أصله الأمات ولكن الهاء زيدت مؤكدة كما زادوها في أهرقت الماء والأصل أرقت الماء والأفئدة جمع فؤاد كما يقال غراب وأغربة ولم يجمع الفؤاد على أكثر العدد لم يقل فيه فئدان كما قالوا غربان. الجو الهواء البعيد من الأرض وأبعد منه السُكاك واللُّوح وواحد السكاك سكاكة عن الزجاج قال الشاعر:

وَيْلُمـِّها فِـي هَـواءِ الجـَوِّ طالِبَةً وَلا كَهذَا الَّذِي فِي الأرْضِ مَطْلُوبُ

والسكن كل ما يسكن إليه والسكن أيضاً المسكن. قال الفراء: السكن بفتح الكاف الدار وبسكونها أهل الدار ومنه الحديث: "إن الرمانة لتشبع السكن" وأصله من السكون الذي هو ضد الحركة وهما من جنس الأكوان التي يكون الجسم بها كائناً في الجهات ومنه السكين لأنه يسكن حركة المذبوح, والأثاث متاع البيت الكثير من قولهم شعر أثيث أي كثير وأثَّ النّبتُ يَإثُّ أثّاً إذا كثر والتف وكذلك الشعر ولا واحد للأثاث كما أنه لا واحد للمتاع قال لشاعر:

أهاجَتْكَ الظَّعائِـنَ يــَـوْمَ بانُوا بِذِي الرِّئْيِ الْجَمِيلِ مِن الأثاثِ

الإعراب: قوله: { لا تعلمون شيئاً } في موضع نصب على الحال من الكاف والميم وقوله: { شيئاً } يجوز أن يكون منتصباً على المصدر أي لا تعلمون علماً ويجوز أن يكون مفعولاً ويكون تعلمون بمعنى تعرفون لاقتصاره على مفعول واحد وأثاثاً ومتاعاً نصب بجعل أي يجعل لكم أثاثاً ومتاعاً.
المعنى: ثم عدد سبحانه نعماً له أخر فقال { والله أخرجكم من بطون أمهاتكم } منعماً عليكم بذلك وأنتم { لا تعلمون شيئاً } من منافعكم ومضاركم في تلك الحال { وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة } أي تفضل عليكم بالحواس الصحيحة التي هي طرق إلى العلم بالمدركات وتفضل عليكم بالقلوب التي تفقهون بها الأشياء إذ هي محل المعارف { لعلكم تشكرون } أي لكي تشكروه على ذلك وتحمدوه.
ثم عطف سبحانه على ما تقدم من الدلائل بدلالة أخرى فقال: { ألم تروا } أي ألم تتفكروا وتنظروا { إلى الطير مسخرات في جو السماء } أي كيف خلقها الله خلقة يمكنها معها التصرف في جو السماء صاعدة ومنحدرة وذاهبة وجائية مذللات للطيران في الهواء بأجنحتها تطير من غير أن تعتمد على شيء { ما يمسكهن إلا الله } أي ما يمسكهن من السقوط على الأرض من الهواء إلا الله فيمسك الهواء تحت الطير حتى لا ينزل فيه كإمساك الماء تحت السابح في الماء حتى لا ينزل فيه فجعل إمساك الهواء تحتها إمساكاً لها على التوسع فإن سكونها في الجو إنما هو فعلها فالمعنى ألم تنظروا في ذلك فتعلموا أن لها مسخراً ومدبِّراً لا يعجزه شيء ولا يتعذر عليه شيء وأنه إنما خلق ذلك ليعتبروا به فيصلوا إلى الثواب الذي عرضهم له ولو كان فعل ذلك لمجرد الإنعام على العبيد لكان حسناً لكنه سبحانه وتعالى ضمَّ إلى ذلك التعريض للثواب { إن في ذلك لآيات } أي دلالات على وحدانية الله تعالى وقدرته { لقوم يؤمنون } لأنهم الذين انتفعوا به.
ثم عدَّد سبحانه نعماً أخر في الآية الأخرى فقال { والله جعل لكم من بيوتكم سكناً } أي موضعاً تسكنون فيه مما يتخذ من الحجر والمدر وذلك أنه سبحانه خلق الخشب والمدر والآلة التي يمكن بها تسقيف البيوت وبناؤها { وجعل لكم من جلود الأنعام } يعني الأنطاع والأدم { بيوتاً تستخفونها } أي قباباً وخياماً يخفُّ عليكم حملها في أسفاركم { يوم ظعنكم } أي ارتحالكم من مكان إلى مكان وقيل معنى الظعن سير أهل البوادي لنجعة أو حضور ماء أو طلب مرتع { ويوم إقامتكم } أي اليوم الذي تنزلون موضعاً تقيمون فيه أي لا يثقل عليكم في الحالتين.
{ ومن أصوافها } وهي للضأن { وأوبارها } وهي للإبل { وأشعارها } وهي للمعز { أثاثاً } أي مالاً عن ابن عباس وقيل نوعاً من متاع البيت من الفراش والأكسية وقيل طنافس وبسطاً وثياباً وكسوة والكل متقارب { ومتاعاً } تتمتعون به ومعاشاً تتجرون فيه { إلى حين } أي إلى يوم القيامة عن الحسن وقيل إلى وقت الموت عن الكلبي ويحتمل أن يكون أراد به موت المالك أو موت الأنعام وقيل إلى وقت البلى والفناء وفيه إشارة إلى أنها فانية فلا ينبغي للعاقل أن يختارها على نعيم الآخرة.