خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَبِثُواْ فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِاْئَةٍ سِنِينَ وَٱزْدَادُواْ تِسْعاً
٢٥
قُلِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُواْ لَهُ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً
٢٦
وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً
٢٧
-الكهف

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير عاصم ثلاثمائة سنين مضافاً والباقون بالتنوين وقرأ ولا تشرك بالتاء مجزوماً ابن عامر وروح وزيد عن يعقوب وسهل والباقون ولا يشرك بالرفع والياء.
الحجة: قال أبو الحسن يكون السنين لثلاثمائة قال ولا تحسن إضافة المائة إلى السنين لأنه لا تكاد العرب تقول مائة سنين قال وهو جائز في ذا المعنى وقد يقوله بعض العرب قال أبو علي: ومما يدل على صحة قوله من قال ثلاثمائة سنين إن هذا الضرب من العدد الذي يضاف في اللغة المشهورة إلى الآحاد نحو ثلاثمائة رجل وأربعمائة ثوب قد جاء مضافاً إلى الجمع في قول الشاعر:

فَما زَوَّدُونِي غَيْرَ سَحْقٍ عِمامَةٍ وَخَمْـسِ مىءٍ مِنها قَسِيُّ وزايِـفُ

وذلك أن قولـه مِىءٍ لا يخلو من أن يكون في الأصل كأنه فعلة فجمع على فِعْل مثل سِدْرَة وسِدْر أو يكون فَعْلة فجمع على فعول مثل بدرة وبدور ومانة ومؤن قال:

عظيمات الكلاكل والمؤونِ

والأولى حمله على فعولِ وأنه خفف كما يخفف في القوافي كقوله:

كنَهْوَرَ كانَ مِنْ أعْقابِ السُّمى

ثم كسر فاؤه كما يكسر في نحو حلى وقال غيره إن العرب قد تضع الجمع هنا موضع الواحد لأن الأصل أن تكون الإضافة إلى الجمع قال الشاعر:

ثَلاثَمائينَ قَدْ مَضَيْنَ كَواملاً وَها أَنا ذا قَدْ أبْتَغي مَرَّ رابعِ

فجاء به على الأصل ومن نوَّن ثلاثمائة ففي نصب سنين قولان أحدهما: أن يكون سنين بدلاً من ثلاثمائة أو عطف بيان والآخر: أن يكون تمييزاً كما تقول عندي عشرة أرطال زيتاً قال الربيع بن ضبيع الفزاري:

إذا عاشَ الفَتى مائَتَيْن عاماً فَقـَـدْ ذَهَبَ اللَّـذاذةَ وَالفَتـاءُ

قال الزجاج ويجوز أن يكون سنين من نعت المائة فيكون مجروراً وهو راجع في المعنى إلى ثلاث كما قال عنترة:

فِيهَــا اثْنَتـانِ وَأَرْبَعُونَ حَلُوبَةً سُوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسْحَمِ

فجعل سوداً نعتاً لحلوبة وهو في المعنى نعت لجملة العدد قال أبوعلي: لا يمتنع أن يكون الشاعر جعل حلوبة جمعاً وجعل سوداً وصفاً لها وإذا كان المراد به الجمع فلا يمتنع أن يقع تفسيراً لهذا الضرب من العدد من حيث كان على لفظ الآحاد كما يقال عشرون نفراً وثلاثون قبيلاً, ومن قرأ ولا نشرك بالتاء فإنه على النهي عن الإشراك والقراءة الأخرى أشيع وأولى لتقدم أسماء الغيبة وهو قوله ما لهم من دونه من وليّ والمعنى ولا يشرك الله في حكمه أحداً.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن مقدار مدة لبثهم فقال: { ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين } معناه وأقام أصحاب الكهف من يوم دخلوا الكهف إلى أن بعثهم الله وأطلع عليهم الخلق ثلاثمائة سنة { وازدادوا تسعاً } أي تسع سنين إلا أنه استغنى بما تقدَّم عن إعادة ذكر تفسير التسع كما يقال عندي مائة درهم وخمسة { قل الله أعلم بما لبثوا } معناه إن حاجَّك يا محمد أهل الكتاب في ذلك فقل الله أعلم بما لبثوا وذلك أن أهل نجران قالوا أما الثلاثمائة فقد عرفناها وأما التسع فلا علم لنا بها. وقيل: إن معناه الله أعلم بما لبثوا إلى أن ماتوا وحكي عن قتادة أنه قال قوله: { ولبثوا في كهفهم } الآية حكاية عن قول اليهود وقوى ذلك بقوله: { قل الله أعلم بما لبثوا } فذكر أنه سبحانه العالم بمقدار لبثهم دون غيره وقد ضعف هذا الوجه بأن أخبار الله لا ينبغي صرفها إلى الحكاية إلا بدليل قاطع ولو كان الأمر على ما قاله لم تكن مدة لبثهم مذكورة ومن المعلوم أن الله سبحانه أراد بالاية الاستدلال على عجيب قدرته وباهر آيته وذلك لا يتم إلا بعد معرفة مدة لبثهم فالمراد بقولـه: { قل الله أعلم بما لبثوا } بعد بيان مدة لبثهم إبطال أهل الكتاب واختلافهم في مدة لبثهم فتقديره قل يا محمد الله أعلم بمدة لبثهم وقد أخبر بها فخذوا بما أخبر الله تعالى ودعوا قول أهل الكتاب فهو أعلم بذلك منهم.
{ له غيب السماوات والأرض } والغيب أن يكون الشيء بحيث لا يقع عليه الإدراك أي لا يغيب عن الله سبحانه شيء لأنه لا يكون بحيث لا يدركه فيعلم ما غاب في السماوات والأرض عن إدراك العباد { أبصر به وأسمع } هذا لفظ التعجب ومعناه ما أبصره وأسمعه أي ما أبصر الله تعالى لكل مبصر وما أسمعه لكل مسموع فلا يخفى عليه من ذلك وإنما أخرجه مخرج التعجب على وجه التعظيم وروي أن يهودياً سأل علي بن أبي طالب (ع) عن مدة لبثهم فأخبر بما في القرآن فقال: إنا نجد في كتابنا ثلاثمائة فقال (ع) ذاك بسني الشمسي وهذا بسني القمر.
وقولـه: { ما لهم من دونه من ولي } أي ليس لأهل السماوات والأرض من دون الله من ناصر يتولى نصرتهم { ولا يشرك } الله { في حكمه أحداً } فلا يجوز أن يحكم حاكم بغير ما حكم الله تعالى به. وقيل: معناه أنه لا يشرك الله في حكمه بما يخبر به من الغيب أحداً وعلى القراءة الأخرى معناه ولا تشرك أنت أيها الإنسان في حكمه أحداً ثم قال سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم { واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك } أي واقرأ عليهم ما أوحى الله إليك من أخبار أصحاب الكهف وغيرهم فإن الحق فيه. وقيل: معناه اتبع القرآن واعمل به { لا مبدل لكلماته } أي لا مغير لما أخبر الله به فيه وما أمر به وعلى هذا فيكون التقدير لا مبدل لحكم كلماته { ولن تجد من دونه ملتحداً } معناه إن لم تتبع القرآن فلن تجد من دون الله ملجأ عن مجاهد. وقيل: حرزاً عن ابن عباس. وقيل: مؤئلاً عن قتادة. وقيل: معدلاً ومحيصاً عن الزجاج وأبي مسلم والأقوال متقاربة في المعنى يقال لحد إلى كذا أو التحد إذا مال إليه.