القراءة: قرأ رويس عن يعقوب نُوَرِّثُ بالتشديد والباقون نورث وفي بعض الروايات عن أبي عمرو هل تعلم يدغم اللام في التاء والأكثر الإظهار.
الحجة: يقال أورثه وورثه بمعنى قال أبو علي يرى سيبويه أن إدغام اللام في التاء والدال والطاء والصاد والزاي والسين جائز لأن مخرج اللام قريب من مخارجهن وهي حروف طرف اللسان وأنشد لمزاحم العقيلي:
فـَــذَرْ ذَا وَلَكـِــنْ هَتُّعيــنُ مُتَيَّماً عَلى ضَوْءِ بَرْقٍ آخِرَ اللَّيْلِ نَاصِبِ
الإعراب: جنات عدن بالنصب على البدل من قوله: { الجنة } وقوله: { بالغيب } في موضع الحال أي كائنة بالغيب وذو الحال جنات عدن وسلاماً استثناء منقطع فكأنه قال لا يسمعون فيها كلاماً يؤلمهم ولكن يسمعون سلاماً وما نتنزل إلاَّ بأمر ربك تقديره قل ما نتنزل فأضمر القول { له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } قال أبو علي هذه الآية تدل على أن الأزمنة ثلاثة ماض وهو قوله ما بين أيدينا ومستقبل وهو قولـه وما خلفنا وحال وهو قوله وما بين ذلك { وما كان ربك نسياً رب السماوات والأرض } بدل من اسم كان وإن شئت كان خبر مبتدأ محذوف وإن شئت كان مبتدأ وقوله: { فاعبده } خبره وهذا على قول الأخفش دون سيبويه.
النزول: قيل إن العاص بن وائل السهمي لم يعطِ أجرة أجير استعمله وقال لو كان ما يقوله محمد حقاً فنحن أولى بالجنة ونعيمها فحينئذ أوّفره أجره فنزل { تلك الجنة التي نورث } الآية. وقيل: احتبس الوحي أياماً لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح فشقَّ ذلك عليه فلما أتاه جبرائيل استبطأه فنزلت { وما نتنزل إلاَّ بأمر ربك } الآية عن عكرمة والضحاك وقتادة والكلبي ومقاتل.
المعنى: ثم وصف سبحانه الجنة فقال: { جنات عدن } أي جنات إقامة يقال عدن بالمكان إذا أقام به ووحَّد في الآية المتقدمة وجمع ها هنا فكأنه جنة تشتمل على جنات. وقيل: لأن لكل واحد من المؤمنين جنة تجمعها الجنة العظماء { التي وعد الرحمان عباده بالغيب } المراد بالعباد المؤمنون كما قال: { { فادخلي في عبادي وادخلي جنتي } [الفجر: 30] وقيل: إنه يتناول المؤمن والكافر ولكن بشرط رجوع الكافر عن كفره وقال بالغيب لأنهم غابوا عما فيها مما لا عين رأت ولا أُذن سمعت عن ابن عباس والمعنى أنه وعدهم أمراً لم يكونوا يشاهدونه فصدَّقوه وهو غائب عنهم.
{ إنه كان وعده } أي موعوده { مأتيا } أي آتيا لا محالة والمفعول هنا بمعنى الفاعل لأن ما آتيته فقد أتاك وما أتاك فقد أتيته يقال أتيت على خمسين سنة وأتت عليَّ خمسون سنة. وقيل: إن الموعود هو الجنة والجنة مأتية يأتيها المؤمنون.
{ لا يسمعون فيها لغواً } أي لا يسمعون في تلك الجنات القول الذي لا معنى له يستفاد وهو اللغو. وقيل: قد يكون اللغو الهزل وما يلغى من الكلام مثل الفحش والأباطيل { إلاَّ سلاماً } أي إلاَّ سلام الملائكة عليهم وسلام بعضهم على بعض قال الزجاج السلام إسم جامع لكل خير لأنه يتضمن السلامة أي يسمعون ما يسلمهم.
{ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشياً } قال المفسرون ليس في الجنة شمس ولا قمر فيكون لهم بكرة وعشياً والمراد أنهم يؤتون برزقهم على ما يعرفونه من مقدار الغداء والعشاء. وقيل: كانت العرب إذا أصاب أحدهم الغداء والعشاء لعجبت به وكانت تكره الوجبة وهي الأكلة الواحدة في اليوم فأخبر الله تعالى أن لهم في الجنة رزقهم بكرة وعشياً على قدر ذلك الوقت وليس ثمَّ ليل وإنما هو ضوء ونور عن قتادة. وقيل: إنهم يعرفون مقدار الليل بإرخاء الحجب وإغلاق الأبواب ومقدار النهار برفع الحجب وفتح الأبواب.
{ تلك الجنة التي } هي مذكورة في قوله: { فأُولئك يدخلون الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقياً } أي إنما نملك تلك الجنة من كان تقياً في دار الدنيا بترك المعاصي وفعل الطاعات وإنما قال نورث مع أنه ليس بتمليك نقل من غيرهم إليهم لأنه شبه بالميراث من جهة أنه تمليك بحال استؤنفت عن حال قد انقضت من أمر الدنيا كما ينقضي حال الميت من أمر الدنيا عن الجبائي. وقيل: إنه تعالى أورثهم من الجنة المساكن والمنازل التي كانت لأهل النار لو أطاعوا الله تعالى وأضاف العباد إلى نفسه لأنه أراد المؤمنين.
{ وما نتنزل إلاَّ بأمر ربك } قال ابن عباس إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجبرائيل ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا فنزل { وما نتنزل إلاَّ بأمر ربك } الآية أي إذا أمرنا نزلنا عليك وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك. وقيل: إنه قول أهل الجنة إنا لا نتنزل موضعاً من الجنة إلاَّ بأمر الله تعالى عن أبي مسلم { له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك } معناه ما بين أيدينا من أمر الآخرة وما خلفنا أي ما مضى من أمر الدنيا وما بين ذلك أي ما بين النفختين عن ابن عباس وقتادة والضحاك والربيع. قال مقاتل: وما بين النفختين أربعون سنة. وقيل: معناه ابتداء خلقنا ومنتهى آجالنا ومدة حياتنا. وقيل: ما بين أيدينا ما بقي من أمر الدنيا وما خلفنا ما مضى من الدنيا وما بين ذلك من حياتنا أي هو المدبر لنا في الأوقات الماضية والآتية والذاهبة. وقيل: ما بين أيدينا أي الأرض عند نزولنا وما خلفنا السماوات إذ نزلنا منها وما بين ذلك السماء والأرض.
{ وما كان ربك نسياً } قيل هذا تمام حكاية قول الملائكة وقول أهل الجنة. وقيل: بل تمَّ الكلام قبله, ثم أخبر الله سبحانه عن نفسه ومعناه أنه سبحانه ليس ممن ينسى ويخرج عن كونه عالماً لأنه عالم لذاته وتقديره وما نسيك يا محمد وإن أخَّر الوحي عنك. وقيل: ما كان ربك ناسياً لأحد حتى لا يبعثه يوم القيامة عن أبي مسلم { رب السماوات والأرض } أي خالقهما ومدبّرهما { وما بينهما } من الخلائق والأشياء { فاعبده } وحده لا شريك له { واصطبر لعبادته } أي اصبر على تحمل مشقة عبادته ثم قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم { هل تعلم له سميا } أي مثلاً وشبيهاً عن ابن عباس ومجاهد وابن جريج وسعيد بن جبير. وقيل: هل تعلم أحداً يستحق أن يسمى إلهاً إِلاَّ هو عن الكلبي. وقيل: هل تعلم أحداً يسمى إلهاً خالقاً رازقاً محيياً مميتاً قادراً على الثواب والعقاب سواه حتى تعبده فإذا لم تعلم ذلك فالزم عبادته وهذا استفهام بمعنى النفي أي لا تعلم من يسمى بلفظة الله.