خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَا وَٱبْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَٰتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ
١٢٩
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: { العزيز القدير } الذي لا يغالب وقيل هو القادر الذي لا يمتنع عليه شيء أراد فعله ونقيض العز الذل وعزّ يَعِزُّ عزة وعزاً إذا صار عزيزاً وعَزَّ يَعُزُّ عزاً إذا قهر, ومنه قولـهم من عَزَّ بزَّ أي من غلب سلب واعتز الشيء إذا صلب وهو من العزاز من الأرض وهو الطين الصلب الذي لا يبلغ أن يكون حجارة وعز الشيء إذا قلَّ حتى لا يكاد يوجد واعتز فلان بفلان إذا تشرف به والحكيم معناه المدبر الذي يحكم الصنع ويحسن التدبير فعلى هذا يكون من صفات الفعل وبكون بمعنى العليم فيكون من صفات الذات.
الإعراب: ابعث جملة فعلية معطوفة على تب فيهم تتعلق بابعث ويجوز أن تتعلق بمحذوف تقديره رسولاً كائناً فيهم فيكون في موضع نصب على الحال ويتلو منصوب الموضع بكونه صفة قولـه: { رسولا } أي تالياً وعليهم تتعلق بيتلو.
المعنى: الضمير في قولـهم فيهم يرجع إلى الأمة المسلمة التي سأل الله إبراهيم أن يجعلهم من ذريته والمعني به بقولـه: { ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم } هو نبينا صلى الله عليه وسلم لما روي عنه أنه قال:
" "أنا دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى (ع) " " يعني قولـه مبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد وهو قول الحسن وقتادة وجماعة من العلماء, ويدل على ذلك أنه دعا بذلك لذريته الذين يكونون بمكة وما حولها على ما تضمنه الآية في قولـه ربنا وابعث فيهم أي في هذه الذرية رسولاً منهم ولم يبعث الله من هذه صورته إلا محمداً صلى الله عليه وسلم وقولـه: { ويتلوا عليهم آياتك } أي يقرأ عليهم آياتك التي توحي بها إليه.
{ ويعلمهم الكتاب } أي القرآن وهذا لا يعد من التكرار لأنه خصّ الأول بالتلاوة ليعلموا بذلك أنه معجز دال على صدقه ونبوته وخص الثاني بالتعليم ليعرفوا ما يتضمنه من التوحيد وأدلته وما يشتمل عليه من أحكام شريعته وقولـه: { والحكمة } قيل هي ها هنا السنة عن قتادة وقيل المعرفة بالدين والفقه في التأويل عن مالك بن أنس وقيل العلم بالأحكام التي لا يدرك علمها إلا من قبل الرسل عن ابن زيد, وقيل إنه صفة للكتاب كأنه وصفه بأنه كتاب وأنه حكمة وأنه آيات وقيل الحكمة شيء يجعله الله في القلب ينوره الله به كما ينور البصر فيدرك المبصر وقيل هي مواعظ القرآن وحرامه وحلاله عن مقاتل وكلّ حسن.
وقولـه: { ويزكيهم } أي يجعلهم مطيعين مخلصين والزكاء هو الطاعة والإخلاص لله سبحانه عن ابن عباس, وقيل معناه يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه عن ابن جريج, وقيل معناه يستدعيهم إلى فعل ما يزكون به من الإيمان والصلاح عن الجبائي, وقيل يشهد لهم بأنهم أزكياء يوم القيامة إذا شهد على كل نفس بما كسبت عن الأصم.
وقولـه: { إنك أنت العزيز الحكيم } أي القوي في كمال قدرتك المنيع في جلال عظمتك المحكم لبدائع صنعتك وإنما ذكر هاتين الصفتين لاتصالهما بالدعاء فكأنه قال فزعنا إليك في دعائنا لأنك القادر على إجابتنا العالم بما في ضمائرنا وبما هو أصلح لنا مما لا يبلغه كنه علمنا وقصار بصائرنا وفي هذه الآية دلالة على أن إبراهيم وإسماعيل (ع) دعوا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم بجميع شرائط النبوة لأن تحت التلاوة الأداء وتحت التعليم البيان وتحت الحكمة السنة ودعوا لأمته باللطف الذي لأجله تمسكوا بكتابه وشرعه فصاروا أزكياء وهذا لأن الدعاء صدر من إسماعيل (ع) فعلم بذلك أن النبي المدعو به من ولده لا من ولد إسحاق ولم يكن في ولد إسماعيل نبي غير نبينا صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء.