خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ
١٨٦
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: أجاب واستجاب بمعنى قال الشاعر:

وَداعٍ دَعا يا مَنْ يُجِيبُ لِيَ النّدَا فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

أي لم يجبه، وقال المبرد: بينهما فرق وهو أن في الاستجابة معنى الإذعان وليس ذلك في الإجابة وأصلـه من الجوب وهو القطع يقال جاب البلاد يجوبها جوباً إذا قطعها واجتاب الظلام بمعناه والجابة والإجابة بمعنى، والصحيح أن الجابة والطاعة والطاقة ونحوها أسماء بمعنى المصادر وأجاب عن السؤال جواباً وانجاب السحاب إذا انقشع وأصل الباب القطع فإجابة السائل القطع بما سأل لأن سؤالـه على الوقف أيكون أم لا يكون والرشد نقيض الغي رشَد يُرشد رُشداً ورَشِد يرشدُ رَشْداً ورجل رشيد وولد فلان لِرَشْده خلاف لزنية وأصل الباب إصابة الخير ومنه الإرشاد وهو الدلالة على وجه الإصابة للخير.
الإعراب: إذا ظرف زمان للفعل الذي يدل عليه قولـه
{ فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ } [البقرة: 86] تقديره فأخبره يا محمد إني بهذه الصفة ولا يجوز أن يعمل فيه قريب أو أجيب لأن معمول إنَّ لا يجوز أن يعمل فيما إنَّ بُيّن في موضعه وقولـه أجيب في موضع رفع بأنه خبر إنَّ أيضاً فهو خبر بعد خبر.
النزول: روي عن الحسن أن سائلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزلت الاية وقال قتادة نزلت جواباً لقوم سألوا النبي كيف ندعوا.
المعنى: لما ذكر سبحانه الصوم عقَّبه بذكر الدعاء ومكانه منه وإجابته إياه فقال: { وإذا سألك عبادي عني } الأقرب أن يكون السؤال عن صفته سبحانه لا عن فعلـه لقولـه سبحانه: { فإني قريب } وفيه حذف أي فقل إني قريب فدلّ بهذا على أنه سبحانه لا مكان لـه إذ لو كان لـه مكان لم يكن قريباً من كل من يناجيه، وقيل معناه إني سريع الإجابة إلى دعاء الداعي لأن السريع والقريب متقاربان، وقيل معناه إني أسمع دعاء الداعي كما يسمعه القريب المسافة منهم فجاءت لفظة قريب بحسن البيان بها فأما قريب المسافة فلا يجوز عليه سبحانه لأن ذلك إنما يتصور فيمن كان متمكناً في مكان وذلك من صفات المحدثات وقولـه: { أجيب دعوة الداع إذا دعان } مفهوم المعنى وقولـه: { فليستجيبوا لي } قال أبو عبيدة: معناه فليجيبوني فيما دعوتهم إليه وقال المبرد والسراج: معناه فليذهبوا للحق بطلب موافقة ما أمرتهم به ونهيتهم عنه وقال مجاهد: معناه فليستجيبوا لي بالطاعة وقيل معناه فليدعوني وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام" .
" { وليؤمنوا بي } أي وليصدقوا بجميع ما أنزلته وروي عن أبي عبد الله أنهُ قال: وليؤمنوا بي أي: وليتحققوا أني قادر على إعطائهم ما سألوه. { لعلـهم يرشدون } أي لعلـهم يصيبون الحق ويهتدون إليه فإذا سئل فقيل نحن نرى كثيراً من الناس يدعون الله فلا يجيبهم فما معنى قولـه أجيب دعوة الداع إذا دعان فالجواب أنه ليس أحد يدعو الله على ما توجبه الحكمة إلا أجابه الله فإن الداعي إذا دعاه يجب أن يسأل ما فيه صلاح لـه في دينه ولا يكون فيه مفسدة لـه ولا لغيره ويشترط ذلك بلسانه أو ينويه بقلبه فالله سبحانه يجيبه إذا اقتضت المصلحة إجابته أو يؤخّر الإجابة إن كانت المصلحة في التأخير وإذا قيل إن ما تقتضيه الحكمة لا بدّ أن يفعلـه فما معنى الدعاء وإجابته فجوابه أن الدعاء عبادة في نفسها يعبد الله سبحانه بها لما في ذلك من إظهار الخضوع والانقياد إليه سبحانه وأيضاً فإنه لا يمتنع أن يكون وقوع ما سألـه إنما صار مصلحة بعد الدعاء ولا يكون مصلحة قبل الدعاء ففي الدعاء هذه الفائدة ويؤيد ذلك ما روي عن أبي سعيد الخدري قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم دعا الله سبحانه بدعوة ليس فيها قطيعة رحم ولا إثم أعطاه بها إحدى خصال ثلاث إمّا إن يعجّل دعوته وإمّا يؤخّر لـه في الآخرة وإما أن يدفع عنه من السوء مثلـه قالوا: يا رسول الله إذاً نكثر قال: الله أكثر" وفي رواية أنس بن مالك: " الله أكثر وأطيب" ثلاث مرات، وروي عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله: " إن العبد ليدعو الله وهو يحبّه فيقول يا جبرائيل لا تقض لعبدي هذا حاجته وأخّرها فإني أحبّ أن لا أزال أسمع صوته وإنّ العبد ليدعو الله وهو يبغضه فيقول يا جبرإئيل اقض لعبدي هذا حاجته بإخلاص وعجّلـها فإني أكره أن أسمع صوته " وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: ربما أخرت عن العبد إجابة الدعاء ليكون أعظم لأجر السائل وأجزل لإعطاء الأمل. وقيل لإبراهيم بن أدهم: ما بالنا ندعو الله سبحانه فلا يستجيب لنا؟ فقال: لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه وعرفتم الرسول فلم تتبعوا سنته وعرفتم القرآن فلم تعملوا بما فيه وأكلتم نعمة الله فلم تؤدوا شكرها وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا لـه ودفنتم الأموات فلم تعتبروا بهم وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس.