خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
٢٤٥
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: فيضاعفه فيه أربع قراءات قرأ أبو عمرو ونافع وحمزة والكسائي فيضاعفه بالألف والرفع وقرأ عاصم الألف والنصب وقرأ ابن كثير وأبو جعفر فيُضعِفه بالتشديد والرفع وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد والنصب وقرأ أبو عمرو والكسائي وحمزة يبسط وبسطه وفي الأعراف أيضاً بالسين وروي عنهم أيضاً بالصاد ويعقوب وهشام بالسين والباقون مختلف عنهم.
الحجة: قال أبو علي للرفع في قولـه فيضاعفه وجهان أحدهما: أن يعطفه على ما في الصلة. والآخر: أن يستأنفه فأما النصب في فيضاعفه فالرفع أحسن منه ألا ترى أن الاستفهام إنما هو عن فاعل الإقراض لا عن الإقراض، وإذا كان ذلك لم يكن مثل قولك أتقرضني فأشكرك لأن الاستفهام ها هنا عن الإقراض ووجه قول ابن عامر وعاصم في النصب من فاء فيضاعفه أنه حمل الكلام على المعنى وذلك أنه لما كان المعنى أيكون قرض حمل قولـه فيضاعفه على ذلك كما أن من قرأ { من يضلل الله فلا هادي ويذرهم } جزم قولـه ويذرهم لما كان معنى قولـه فلا هادي لـه لا يهده ونحو ذلك مما يحمل فيه الكلام على المعنى دون اللفظ كثير، فأما القول في يضاعف ويضعف فكل واحد منهما في معنى الآخر وقولـه أضعافاً منصوب على الحال وتقديره فيكثره فإذا هي أضعاف فيكون حالاً بعد الفراغ من الفعل، ووجه قول من أبدل من السين الصاد في هذه المواضع التي ذكرت أن الطاء حرف مستعل يتصعد من مخرجها إلى الحنك ولم يتصعد السين تصعدها فكره التصعد عن التسفل فأبدل من السين حرفاً في مخرجها في تصعد الطاء فتلاءم الحرفان وصار كل واحد منهما وفق صاحبه في التصعد فزال في الابدال ما كان يكره من التصعد عن التسفل ولو كان اجتماع الحرفين على عكس ما ذكرناه وهو أن يكون التصعد قبل التسفل لم يكره ذلك ولم يبدلوا ألا ترى أنهم قالوا طسم الطريق وقسوت وقست فلم يكرهوا التسفل عن تصعد كما كرهوا بسط حتى قالوا بصط فأبدلوا فأما من لم يبدل السين في بسط وترك السين فلأنه الأصل ولأن ما بين الحرفين من الخلاف يسير فاحتمل الخلاف لقلته.
اللغة: القرض هو قطع جزء من المال بالإعطاء على أن يرّد بعينه أو يرد مثلـه بدلاً منه وأصل القرض القطع بالمناب يقال قرض الشيء يقرض إذا قطعه بنابه وأقرض فلان فلاناً إذا أعطاه ما يتجازاه منه والاسم منه القرض والتضعيف والمضاعفة والأضعاف بمعنى وهو الزيادة على أصل الشيء حتى يصير مثلين أو أكثر، تقول ضعفّت القوم أضعّفهم إذا كثرتهم فصرت مع أصحابك على الضعف منهم، وضعف الشيء مثلـه في المقدار إذا زيد عليه فكل واحد منهما ضعف وضَعف الشيء ضَعْفاً وضِعْفاً. والضعف خلاف القوة والقبض خلاف البسط يقال قبضه يقبضه قبضاً ضم الكف على الشيء والتقبض التشنج وتقبَّض عنه إذا اشمأز عنه لأنه ضم نفسه عن الانبساط إليه، وقبض الانسان إذا مات والملك قابض الأرواح وبسط يبسط بسطاً والبساط ما بسطته والبساط بفتح الباء الأرض الواسعة وكتب يبسط بالسين وبصطة بالصاد لأن القلب على الساكن أقوى منه على المتحرك.
المعنى: لما حث سبحانه على الجهاد وذلك يكون بالنفس والمال عقّبه بالتلطف في الاستدعاء إلى أعمال البر والانفاق في سبيل الخير فقال { من ذا الذي يقرض الله } أي ينفق في سبيل الله وطاعته والمراد به الأمر وليس هذا بقرضِ حاجة على ما ظنه اليهود فقال إنما يستقرض منا ربنا عن عَوَز فإنما هو فقير ونحن أغنياء بل سمى تعالى الإنفاق قرضاً تلطفاً للدعاء إلى فعلـه وتأكيداً للجزاء عليه فإن القرض يوجب الجزاء { قرضاً حسناً } والقرض الحسن أن ينفق من حلال ولا يفسده بمنّ ولا أذى وقيل هو أن يكون محتسباً طيباً به نفسه عن الواقدي وقيل هو أن يكون حسن الموقع عند الانفاق فلا يكون خسيساً والأولى أن يكون جامعاً لـهذه الأمور كلـها فلا تنافي بينها فيضاعفه لـه أضعافاً كثيرة أي فيزيده لـه أي يعطيه ما لا يعلمه إلا الله وهو مثل قولـه تعالى:
{ ويؤت من لدنه أجراً عظيماً } [النساء: 40] عن الحسن والسدي وروي عن الصادق (ع) أنه قال لما نزلت هذه الآية من جاء بالحسنة فلـه خير منها قال رسول الله: "رب زدني فأنزل الله من جاء بالحسنة فلـه عشر أمثالـها فقال رسول الله: رب زدني فأنزل الله سبحانه من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" .
{ فيضاعفه لـه أضعافا كثيرة } والكثير عند الله لا يحصى { والله يقبض ويبسط } معناه والله يقبض الرزق عن أقوام بأن يقتره عليهم ويبسط على أقوام بأن يوسعه عليهم عن الحسن وابن زيد، وقيل معناه يقبض الصدقات ويبسط الجزاء عليها عاجلاً أو آجلاً أو كلاهما عن الأصم والزجاج، وقيل يقبض الرزق بموت واحد ويبسط لوارثه { وإليه ترجعون } وهذا تأكيد للجزاء قال الكلبي في سبب نزول هذه الآية إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تصدق بصدقة فلـه مثلاها في الجنة فقال أبو الدحداح الأنصاري واسمه عمرو بن الدحداح: يا رسول الله إن لي حديقتين إن تصدقت بإحداهما فإن لي مثليها في الجنة؟ قال: نعم قال: وأم الدحداح معي قال: نعم قال: والصبية معي قال: نعم فتصدق بأفضل حديقتيه فدفعها إلى رسول الله فنزلت الآية فضاعف الله لـه صدقته ألفي ألف وذلك قولـه أضعافاً كثيرة قال فرجع أبو الدحداح فوجد أم الدحداح والصبية في الحديقة التي جعلـها صدقة فقام على باب الحديقة وتحرج أن يدخلـها فنادى: يا أم الدحداح. قالت: لبيك يا أبا الدحداح. قال: إني قد جعلت حديقتي هذه صدقة واشتريت مثليها في الجنة وأم الدحداح معي والصبية معي. قالت: بارك الله لك فيما شريت وفيما اشتريت فخرجوا منها وأسلموا الحديقة إلى النبي كم نخلة متدلٍ عذوقها لأبي الدحداح في الجنة" .