خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ ٱلتَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَىٰ وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ
٢٤٨
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: التابوت بالتاء لغة جمهور العرب والتابوه بالـهاء لغة الأنصار والسكينة مصدر وقع موقع الاسم نحو القضية والبقية والعزيمة وأخذ من السكون.
الإعراب: موضع أن يأتيكم رفع المعنى إن آية ملكه إتيان التابوت إياكم فيه سكينة من ربكم مبتدأ وخبر في موضع النصب على الحال من التابوت مما ترك الجار والمجرور في موضع الصفة لبقية.
المعنى: { وقال لـهم نبيهم إن آية ملكه } أي علامة تمليك الله إياه وحجة صحة ملكه { أن يأتيكم التابوت } وفي هذا دليل على أنهم قالوا لرسولـهم إن كان ملكه بأمر من الله ومن عنده فأتنا بعلامة تدل على ذلك فأجابهم بهذا، وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن أبي جعفر إن التابوت كان الذي أنزلـه الله على أم موسى فوضعت فيه ابنها وألقته في البحر وكان في بني إسرائيل معظماً يتبرّكون به فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آثار النبوة وأودعه عند وصيه يوشع بن نون فلم يزل التابوت بينهم وبنو إسرائيل في عزّ وشرف ما دام فيهم حتى استخفوا به وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات فلما عملوا المعاصي واستخفوا به رفعه الله عنهم فلما سألوا نبيّهم أن يبعث إليهم ملكاً بعث الله لـهم طالوت وردّ عليهم التابوت، وقيل كان في أيدي أعداء بني إسرائيل من العمالقة غلبوهم عليه لما مرج أمر بني إسرائيل وحدث فيهم الأحداث ثم انتزعه الله من أيديهم وردّه على بني إسرائيل تحملـه الملائكة عن ابن العباس ووهب، وروي ذلك عن أبي عبد الله، وقيل كان التابوت الذي أنزلـه الله على آدم فيه صور الأنبياء فتوارثه أولاد آدم وكان في بني إسرائيل يستفتحون به على عدوّهم وقال قتادة وكان في بريّة التيه خلَّفه هناك يوشع بن نون فحملته الملائكة إلى بني إسرائيل وقيل كان قدر التابوت ثلاثة أذرع في ذراعين عليه صفائح الذهب وكان من شمشار وكانوا يقدّمونه في الحروب ويجعلونه أمام جندهم فإذا سمع من جوفه أنين زفّ التابوت أي سار وكان الناس يسيرون خلفه فإذا سكن الأنين وقف فوقف الناس بوقوفه.
{ فيه سكينة من ربكم } قيل في التابوت نفسه وقيل فيما في التابوت واختلف في السكينة فقيل إن السكينة التي كانت فيه ريح هفّافة من الجنة لـها وجه كوجه الإنسان عن عليّ (ع)، وقيل كان لـه جناحان ورأس كرأس الـهرّة من الزبرجد والزمرد عن مجاهد، وروي ذلك في أخبارنا وقيل كان فيه آية يسكنون إليها عن عطاء، وقيل روح من الله يكلمهم بالبيان عند وقوع الاختلاف عن وهب { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون } قيل إنها عصا موسى ورضاض الألواح عن ابن عباس وقتادة والسدي وهو المروي عن أبي جعفر الصادق وقيل هي التوراة وشيء من ثياب موسى عن الحسن وقيل كان فيه أيضاً لوحان من التوراة وقفيز من المن الذي كان ينزل عليهم ونعلا موسى وعمامة هارون وعصاه هذه أقوال أهل التفسير في السكينة والبقية والظاهر أن السكينة أمَنة وطمأنينة جعلـها الله فيه ليسكن إليه بنو إسرائيل، والبقية جائز أن يكون بقية من العلم أو شيء من علامات الأنبياء وجائز أن يتضمنها جميعاً على ما قالـه الزجاج وقيل أراد بآل موسى وآل هارون موسى وهارون على نبينا وعليهما السلام يعني مما ترك موسى وهارون تقول العرب آل فلان يريدون نفسه أنشد أبوعبيدة:

فَلا تَبْكِ مَيْتاً بَعْدَ مَيْتٍ أحَبَّهُ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ وآلُ أبِي بَكْرِ

يريد أبا بكر نفسه وقال جميل:

بُثَيْنَةُ مِنْ آلِ الْنِّساءِ وَإنَّما يَكُنَّ لأدْنى لا وِصالَ لِغائِبِ

أي من النساء { تحملـه الملائكة } قيل حملته الملائكة بين السماء والأرض حتى رآه بنو إسرائيل عياناً عن ابن عباس والحسن، وقيل لمّا غلب الأعداء على التابوت أدخلوه بيت الأصنام فأصبحت أصنامهم منكبة فأخرجوه ووضعوه ناحية من المدينة فأخذهم وجع في أعناقهم وكل موضع وضعوه فيه ظهر فيه بلاء وموت ووباء فأشير عليهم بأن يخرجوا التابوت فأجمع رأيهم على أن يأتوا به ويحملوه على عجلة ويشدّوها على ثورين ففعلوا ذلك وأرسلوا الثورين فجاءت الملائكة وساقوا الثورين إلى بني إسرائيل فعلى هذا يكون معنى تحملـه الملائكة تسوقه كما تقول حملت متاعي إلى مكة ومعناه كنت سبباً لحملـه إلى مكة { إن في ذلك لآية لكم } أي في رجوع التابوت إليكم علامة أن الله سبحانه ملّك طالوت عليكم { إن كنتم مؤمنين } مصدقين ولا يجوز أن يكون على تثبيت الإيمان لـهم لأنهم كفروا حين ردّوا على نبيهم وقيل إن كنتم مؤمنين كما تزعمون.