خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ
٢٧٣
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حمزة وعاصم وأبو جعفر وابن عامر يحسبهم بفتح السين كل القرآن والباقون بكسرها.
اللغة: قال أبو زيد حَسِبت الشيء أحسبه وأحسِبه حِسْبانا وحسَبت الشيء أحْسبُه حِساباً وحِسابة وحِسباناً وأحْسَبت الرجل إحْساباً إذا أطعمته وسقيته حتى يشبع ويروى وتعطيه حتى يرضى والإِحصار المنع عن التصرف لمرض أو حاجة أو مخافة والحصر هو منع الغير وليس كالأَول لأَنه منع النفس وقد تقدم تفسيره عند قولـه { فإن أحصرتم } والضرب المشي في الأَرض والسيماء العلامة التي يعرف بها الشيء وأصلـه الارتفاع لأنه علامة رفعت للظهور ومنه السوم في البيع وهو الزيادة في مقدار الثمن للارتفاع فيه عن الحد ومنه سوم الخسف للرفع فيه بتحميل ما يشق ومنه سوم الماشية إرسالـها في المرعى والتعفف ترك السؤال يقال عف عن الشيء وتعفف عنه إذا تركه ومنه قول رؤبة:

فعف عن أسرارها بعد العسقْ

أي تركها والإِلحاف الإِلحاح في المسألة قال الزجاج معنى ألْحف شمل بالمسألة وهو مستغن عنها واللحاف من هذا اشتقاقه لأَنه يشمل الإِنسان في التغطية.
الإعراب: العامل في قولـه { للفقراء } محذوف وتقديره النفقة للفقراء وقد تقدم ما يدل عليه وقال بعضهم هو مردود على اللام الأُولى من قولـه { وما تنفقوا من خير فلأَنفسكم } قال علي بن عيسى وهذا لا يجوز لأَن بدل الشيء من غيره لا يكون إلا والمعنى يشتمل عليه وليس كذلك ذكر النفس ها هنا لأَن الإِنفاق لـها من حيث هو عائد إليها وللفقراء من حيث هو واصل إليهم وليس من باب
{ { وللـه على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً } [آل عمران: 97] لأن الأمر لازم للمستطيع خاصة ولا يجوز أن يكون العامل فيه { تنفقوا } لأَنه لا يفصل بين العامل والمعمول فيه بالأَجنبي كما لا يجوز كانت زيداً الحمى تأخذه { لا يستطيعون ضرباً } جملة في موضع الحال من يسألون أي لا يسألون ملحفين ويجوز أن يكون مصدراً لأَن الإِلحاف سؤال على صفة.
النزول: قال أبو جعفر (ع) نزلت الآية في أصحاب الصُفَّة وكذلك رواه الكلبي عن ابن عباس وهم نحو أربعمائة رجل لم يكن لـهم مساكن بالمدينة ولا عشائر يأوون إليهم فجعلوا أنفسهم في المسجد وقالوا نخرج في كل سرية يبعثها رسول الله فحثّ الله الناس عليهم وكان الرجل إذا أكل وعنده فضل أتاهم به إذا أمسى.
المعنى: لما أمر سبحانه بالنفقة ورغَّب فيها بأبلغ وجوه الترغيب وبيَّن ما يكمل ثوابها عقَّب ذلك ببيان أفضل الفقراء الذين هم مصرف الصدقات فقال { للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله } معناه النفقة المذكورة في هذه الآية وما قبلـها للفقراء الذين حبُسوا ومُنعوا في طاعة الله أي منعوا أنفسهم من التصرف في التجارة للمعاش إما لخوف العدو من الكفار وإما للمرض والفقر وإما للإِقبال على العبادة وقولـه في سبيل الله يدل على أنهم حبسوا أنفسهم عن التقلب لاشتغالـهم بالعبادة والطاعة.
{ لا يستطيعون ضرباً } أي ذهاباً وتصرفاً { في الأَرض } لبعض ما ذكرناه من المعاني وقيل لمنع أنفسهم من التصرف في التجارة أي ألزموا أنفسهم الجهاد في سبيل الله فلا يقع منهم التصرف لغيره وليس معناه أنهم لا يقدرون عليه كما يقال أمرني الأمير بالمقام في هذا الموضع فلا أستطيع أن أبرح منه أي لا أبرح منه لإِلزامي نفسي طاعة الأَمير { يحسبهم الجاهل } أي يظنهم الجاهل بحالـهم وباطن أمورهم { أغنياء من التعفف } أي الإمتناع من السؤال والتجمل في اللباس والستر لما هم فيه من الفقر وسوء الحال طلباً لرضوان الله وطمعاً في جزيل ثوابه { تعرفهم بسيماهم } أي تعرف حالـهم بالنظر إلى وجوههم لما يرى من علامة الفقر عن السدي والربيع وقيل لما يرى من التخشع والخضوع الذي هو شعار الصالحين عن مجاهد.
{ لا يسألون الناس إلحافاً } قيل معناه أنهم لا يسألون الناس أصلاً وليس معناه أنهم يسألون من غير إلحاف عن ابن عباس وهو قول الفراء والزجاج وأكثر أرباب المعاني، وفي الآية ما يدل عليه وهو قولـه { يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف } في المسألة ولو كانوا يسألون لم يكن يحسبهم الجاهل أغنياء لأَن السؤال في الظاهر يدل على الفقر وقولـه أيضاً تعرفهم بسيماهم ولو سألوا لعرفوا بالسؤال قالوا وإنما هو كقولك ما رأيت مثلـه وأنت لم ترد أن لـه مثلاً ما رأيته وإنما تريد أنه ليس لـه مثل فيرى فمعناه لم يكن سؤال فيكون إلحاح كقول الأَعشى:

لا يَغْمِزُ الْساقَ مِنْ أيْنٍ وَمِنْ نَصَبٍ وَلا يَعَضُّ عَلى شُرْسُوفِهِ الصَّفَرُ

ومعناه ليس بساقها أين ولا نصب فيغمزها ليس أن هناك أينا ولا يغمز وفي الحديث: " إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ويكره البؤس والتباؤس ويحبّ الحليم المتعفف من عباده ويبغض الفاحش البذيء السائل الملحف" وعنه (ع) قال: "إن الله كره لكم ثلاثاً قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال" ، ونهي عن عقوق الأمهات ووأد البنات وعن منع وهات وقال (ع): "الأَيدي ثلاث فيد الله العليا ويد المعطي التي تليه ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة ومن سأل ولـه ما يغنيه جاءت مَسْئَلَتُهُ يوم القيامة كُدُوحاً أو خُمُوشاً أو خُدُوشاً في وجهه قيل وما غناه قال خمسون درهماً أو عدلـها من الذهب" { وما تنفقوا من خير } من مال وقيل معناه في وجوه الخير { فإن الله به عليم } أي يجازيكم عليه.