خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ
٩٣
-البقرة

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: اسْمَعوا معناه أقبلوا ومنه قولـه سمع الله لمن حمده أي قبل الله حمدَ مَن حمده وقولـه واشربوا أصله من الشرب يقال شَرّب وأشرب غيرَه إِذا حمله على الشربِ وأشرِب الزرع أي سقي وأشرب قلبه حُبَّ كذا قال زهير:

فَصَحَوْتُ عَنْهَا بَعْدَ حُبِّ دَاخِلٍ وَالْحُبُّ يُشْرَبُهُ فُؤَادُكَ داءُ

الإعراب: قولـه العجل أي حب العجل حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ومثله قول الشاعر:

حَسِبْتَ بُغَامَ رَاحِلَتي عَنَاقاً وَمَا هيَ وَيْبَ غَيْرِك بِالْعَنَاقِ

أي حسبت بغام راحلتي بغام.
وقال طرفة:

أَلاَ إِنَّني سُقيتُ أَسْوَدَ حالِكاً أَلاَ بَجَلِيْ مِن الشَّرَابِ ألا بجلْ

يريد سقيت سم أسود.
قال آخر:

وشَرُّ المْنَايَا مَيِّتٌ وَسْطَ أَهْلـِـهِ كَهُلْكِ الفَتَىَ قَدْ أَسْلَمَ الحَيِّ حَاضِرُهْ

أي منية ميت وقولـه: { بئسما يأمركم به إيمانكم } فقد تقدم ذكر إعرإبه وأن يجوز أن يكون بمعنى ما أي كنتم مؤمنين وجاز أن يكون تقديره إنه كنتم مؤمنين فبئسما يأمركم به إِيمانكم هذا.
المعنى: قولـه { وإِذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة } قد فسرناه فيما مضى والفائدة في تكرير هذا وأمثاله التأكيد وإيجاب الحجة عليهم على عادة العرب في مخاطباتها وقيل إنه سبحانه لما عدّ فضائح اليهود أعاد ذكر رفع الجبل, وقيل إنه تعالى إنما ذكر الأول للاعتبار بإخبار من مضى والثاني للاحتجاج عليهم وقولـه { واسمعوا } أي اقبلوا ما سمعتم واعملوا به وأطيعوا الله وقيل معناه اسمعوا ما يتلى عليكم أي استمعوا لتسمعوا وهذا اللفظ يحتمل الاستماع والقبول ولا تنافي بينهما فيحتمل عليهما فكأنه قيل استمعوا لتسمعوا ثم اقبلوا وأَطيعوا ويدل عليه أنه قال في الجواب عنهم قالوا سمعنا وعصينا وفيه قولان: أحدهما: أنهم قالوا هذا القول في الحقيقة استهزاء ومعناه سمعنا قولك وعصينا أمرك والثاني: أن حالهم كحال من قال ذلك إِذ فعلوا ما دل عليه كما قال الشاعر:

قَالَت جَنَاحَاهُ لِرِجْلَيْهِ الَحقي

وإن كان الجناح لا يقول ذلك وإنما رجع سبحانه عن لفظ الخطاب إلى الخبر عن الغائب على عادة العرب المألوفة واختلف في هذا الضمير إلى من يعود فقيل إلى اليهود الذين كانوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم قالوا ذلك ثم رجع إلى حديث أوائلهم فقال وأُشربوا وقيل إلى اليهود الذين كانوا في عصر موسى (ع) إذ ردّوا عليه قولـه وقابلوه بالعصيان وقولـه { وأُشربوا في قلوبهم } فمعناه دخل قلوبهم حبّ { العجل } وإنما عبر عن حب العجل بالتسرب دون الأَكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأَعضاء حتى يصل إلى بواطنها والطعام يجاوز الأَعضاء ولا يتغلغل فيها قال الشاعر:

تغلْغَلَ حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْ شَرَابٌ وَلاَ حُزْنٌ وَلَمْ يَبْلُغْ سُرُوْرُ

وليس المعنى في قولـه وأُشربوا أن غيرهم فعل ذلك بهم بل هم الفاعلون لذلك كما يقول القائل أنسيت ذلك من النسيان وليس يريد أن غيره فعل ذلك به ويقال أوتي فلان علماً جمّاً وإن كان هو المكتسب له وقولـه { بكفرهم } ليس معناه أُشربوا حب العجل جزاء على كفرهم لأن محبة العجل كفر قبيح والله سبحانه لا يفعل الكفر في العبد لا ابتداء ولا جزاء بل معناه أنهم كفروا بالله تعالى بما أشربوه من محبة العجل وقيل إنما أشرب حب العجل قلوبهم مَنْ زَيَّنه عندهم ودعاهم إليه كالسامري وشياطين الجن والأنس فقولـه بكفرهم معناه لاعتقادهم التشبيه وجهلهم بالله تعالى وتجويزهم العبادة لغيره اشربوا في قلوبهم حب العجل لأنهم صاروا إلى ذلك لهذه المعاني التي هي كفر وقول من قال فعل الله ذلك بهم عقوبة ومجازاة غلط فاحش لأن حب العجل ليس من العقوبة في شيء ولا ضرر فيه.
وقولـه { قل بئسما يأمركم به إيمانكم } معناه قل يا محمد لهؤلاء اليهود بئس الشيء الذي يأمركم به إيمانكم إن كان يأمركم بقتل أنبياء الله ورسله والتكذيب بكتبه وجحد ما جاء من عنده, ومعنى إيمانهم تصديقهم بالذي زعموا أنهم مصدقون به من كتاب الله بقولـهم نؤمن بما أنزل علينا وقولـه { إن كنتم مؤمنين } أي مصدقين كما زعمتم بالتوراة وفي هذا نفي عن التوراة أن يكون يأمر بشيء يكرهه الله من أفعالهم وإعلامٌ بأن الذي يأمرهم بذلك أهواؤهم ويحملهم عليه آراؤهم.