خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ
٩٦
وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ
٩٧
إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ
٩٨
لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ
٩٩
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ
١٠٠
إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ
١٠١
لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ
١٠٢
لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ
١٠٣
-الأنبياء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب فتحت بالتشديد والباقون بالتخفيف وقد ذكرنا اختلافهم في يأجوج ومأجوج في سورة الكهف وفي الشواذ قراءة ابن مسعود من كل جدث وقراءة ابن السميفع حصب جهنم ساكنة الصاد وقراءة ابن عباس حضب بالضاد مفتوحة وقراءة علي (ع) وعائشة وابن الزبير وأبي بن كعب وعكرمة حطب بالطاء.
الحجة: من خفف فتحت فلأن الفعل في الظاهر مسند إلى هذين الاسمين وأراد فتح سدّ يأجوج ومأجوج ومن شدَّد حمله على الكثرة فهو مثل مفتحة لهم الأبواب والجدث القبر بلغة الحجاز والجدف بالفاء بلغة تميم وفي الحطب لغات وحطب وحصب بالصاد وخضب بالضاد ولا يقال حصب بالصاد إلا إذا أُلقي في التنور أو في الموقد. وقال أحمد بن يحيى: أصل الحصب الرمي حطباً كان أو غيره قال الأعشى:

فَلا تَكُ فِي حَرْبِـنا مُحْصِباً لِتَجْعَلَ قَوْمَكَ شَتّى شُعُوبا

فأما الحصب ساكناً بالصاد والضاد فالطرح فهو مصدر وقع موقع اسم المفعول كالخلق والصيد بمعنى المخلوق والمصيد.
اللغة: الحدب الارتفاع من الأرض بين الانخفاض والحدبة خروج الظهر ورجل أحدب والنسول الخروج عن الشيء الملابس يقال نسل ينسِل وينسَل قال امرؤ القيس:

فَإِنْ يَكُ قَدْ ساءَتْكَ مِنّي خَلِيقَةٌ فَسُلِّي ثِيابِي مِنْ ثِيابِكِ تَنْسَـلي

ونسل ريش الطائر إذا سقط. وقيل: النسول الخروج بإسراع نحو نسلان الذئب قال:

نَسَرنُ الذِّئْبِ أَمْسى قارِباً بَــرَدَ اللَّيْــلُ عَلَيْـهِ فَنَسَلْ

وشخص المسافر شخوصاً إذا خرج من منزله وشخص من بلد إلى بلد وشخص بصره إذا نظر إليه كأنه خرج إليه والحسيس والحس الحركة.
الإعراب: واقترب الوعد. قال الفراء: معنى الواو الطرح والمعنى إذا فتحت يأجوج ومأجوج اقترب الوعد الحق. قال الزجاج: الواو لا يجوز أن يطرح عند البصريين وجواب إذا عندهم قوله { يا ويلنا } وههنا قول محذوف أي قالوا يا ويلنا وقوله { فإذا هي شاخصة } إذاً ظرف مكان والعامل فيه شاخصة وهي ضمير القصة في محل رفع بالابتداء وأبصار الذين كفروا مبتدأ آخر وشاخصة خبر مقدم والجملة خبر هي. وقيل: إن تمام الكلام عند قوله هي وتقديره فإذا هي بارزة واقعة يعني أنها من قربها كأنها وقعت ثم ابتدأ فقال شاخصة أبصار الذين كفروا على تقديم الخبر على المبتدأ.
المعنى: لمّا تقدَّم أنهم لا يرجعون إلى الدنيا وعدهم بالرجوع إلى الآخرة وبيَّن علامة ذلك فقال { حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج } أي فتحت جهلهم والمعنى أنفرج سدّ يأجوج ومأجوج بسقوط أو هدم أو كسر وذلك من أشراط الساعة { وهم من كل حدب ينسلون } أي وهم يريد يأجوج ومأجوج من كل نشز من الأرض يسرعون عن قتادة وابن مسعود والجبائي وأبي مسلم يعني أنهم يتفرقون في الأرض فلا ترى أكمة إلا وقوم منهم يهبطون منها مسرعين. وقيل: إن قوله هم كناية عن الخلق يخرجون من قبورهم إلى الحشر عن مجاهد وكان يقرأ من كل جدث يعني القبر ويدل عليه قوله
{ { فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون } [يس: 51].
{ واقترب الوعد الحق } أي الموعود الصدق ومعناه اقترب قيام الساعة { فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا } معناه فإذا القصة أن أبصار الذين كفروا تشخص في ذلك اليوم أي لا تكاد تطرف من شدة ذلك اليوم وهوله ينظرون إلى تلك الأهوال عن الكلبي.
{ يا ويلنا } أي يقولون يا ويلنا { قد كنّا في غفلة من هذا } اشتغلنا بأمور الدنيا وغفلنا عن هذا اليوم فلم نتفكر فيه { بل كنا ظالمين } بأن عصينا الله تعالى وعبدنا غيره.
ثم قال سبحانه { إنكم وما تعبدون من دون الله } يعني الأصنام { حصب جهنم } أي وقودها عن ابن عباس. وقيل: حطبها عن مجاهد وقتادة وعكرمة وأصل الحصب الرمي فالمراد أنهم يرمون فيها كما يرمى بالحصباء عن الضحاك وأبي مسلم ويسأل على هذا فيقال إن عيسى (ع) قد عُبد والملائكة قد عبدوا والجواب أنهم لا يدخلون في الآية لأن ما لما لا يعقل ولأن الخطاب لأهل مكة وإنما كانوا يعبدون الأصنام فإن قيل فأيّ فائدة في إدخال الأصنام النار. وقيل: يعذب بها المشركون الذين عبدوها فتكون زيادة في حسرتهم وغمهم ويجوز أن يرمى بها في النار توبيخاً للكفار حيث عبدوها وهي جماد لا تضرّ ولا تنفع. وقيل: إن المراد بقوله { وما يعبدون من دون الله } الشياطين دعوهم إلى عبادة غير الله فأطاعوهم كما قال
{ يا أبت لا تعبد الشيطان } [مريم: 44].
{ أنتم لها واردون } خطاب للكفار أي أنتم في جهنم داخلون. وقيل: إن معنى لها إليها لقوله { بأن ربك أوحى لها } أي إليها { لو كان هؤلاء } الأصنام والشياطين { آلهة } كما تزعمون { ما وردوها } أي ما دخلوا النار ولامتنعوا منها { وكل } من العابد والمعبود { فيها } أي في النار { خالدون } دائمون.
{ لهم فيها زفير } أي صوت كصوت الحمار وهو شدة تنفسهم في النار عند إحراقها لهم { وهم فيها لا يسمعون } أي لا يسمعون ما يسرُّهم ولا ما ينتفعون به وإنما يسمعون صوت المعذّبين وصوت الملائكة الذين يعذّبونهم ويسمعون ما يسوءهم عن الجبائي. وقيل: يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون شيئاً ولا يرى أحد منهم إنّ في النار أحداً يعذّب غيره عن عبد الله بن مسعود قالوا
"ولما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن الزبعرى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد ألست تزعم أن عزيراً رجل صالح وأن عيسى (ع) رجل صالح وأن مريم امرأة صالحة قال: بلى" قال فإن هؤلاء يعبدون من دون الله فهم في النار فأنزل الله هذه الآية { إن الذين سبقت لهم منا الحسنى } أي الموعدة بالجنة. وقيل: الحسنى السعادة عن ابن زيد وكأنه يذهب إلى الكلمة بأنه سيسعد أو إلى العدة لهم على طاعتهم فأنث الحسنى.
{ أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها } أي يكونون بحيث لا يسمعون صوتها الذي يحس { وهم فيما اشتهت أنفسهم } من نعيم الجنة وملاذها { خالدون } أي دائمون والشهوة طلب النفس اللذة يقال اشتهى شهوة. وقيل: إن الذين سبقت لهم منا الحسنى عيسى وعزير ومريم والملائكة الذين عبدوا من دون الله وهم كارهون استثناهم من جملة ما يعبدون من دون الله عن الحسن ومجاهد. وقيل: إن الآية عامة في كل من سبقت له الموعدة بالسعادة.
{ لا يحزنهم الفزع الأكبر } أي الخوف الأعظم وهو عذاب النار إذا أطبقت على أهلها عن سعيد بن جبير وابن جريج. وقيل: هو النفخة الأخيرة لقوله
{ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله } [النمل: 87] عن ابن عباس. وقيل: هو حين يؤمر بالعبد إلى النار عن الحسن. وقيل: هو حين يذبح الموت على صورة كبش أملح وينادي يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة على كثبان من مسك لا يحزنهم الفزع الأكبر الفزع الأكبر ولا يكترثون للحساب رجل قرأ القرآن محتسباً ثم أمَّ به قوماً محتسباً ورجل أذَّن محتسباً ومملوك أدّى حق الله عزّ وجلّ وحق مواليه" .
{ وتتلقاهم الملائكة } أي تستقبلهم الملائكة بالتهنئة يقولون لهم { هذا يومكم الذي كنتم توعدون } في الدنيا فأبشروا بالأمن والفوز.