خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
٤١
قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ
٤٢
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِّن دُونِنَا لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ
٤٣
بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ
٤٤
قُلْ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ وَلاَ يَسْمَعُ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ
٤٥
-الأنبياء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن عامر ولا تسمع بضم التاء الصم بالنصب والباقون ولا يسمع بفتح الياء الصم بالرفع.
الحجة: الوجه في قراءة ابن عامر أنه وجَّه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه قال ولا تسمع أنت يا محمد الصم كما قال:
{ { وما أنت بمسمع من في القبور } [فاطر: 22] لأن الله تعالى لما خاطبهم فلم يلتفتوا إلى ما دعاهم إليه صاروا بمنزلة الميت الذي لا يسمع ولا يعقل ووجه قراءة الباقين أنه جعل الفعل لهم ويقوّيه قوله { إذا ما ينذرون }.
اللغة: الكلاءة الحفظ قال ابن هرمة:

إنَّ سُلَيْمــى وَاللهِ يَكْلَــــؤُهـــا ضَنَّتْ بِشَيْءِ ما كَانَ يَرْزَؤُها

والفرق بين السخرية والهزء أن في السخرية معنى طلب الذلة لأن التسخير التذليل فأما الهزء فيقتضي طلب صغر القدر بما يظهر في القول.
الإِعراب: أم لهم آلهة أم هذه هي المنقطعة وتقديره بل لهم آلهة ولا يستطيعون جملة مستأنفة لأنها لا تستقيم أن تكون صفة لآلهة ولا حالاً عنها لأن الله وصفها بقوله { تمنعهم من دوننا } على زعمهم ولا يستطيعون ضدُّ هذه الصفة.
المعنى: لمّا تقدَّم ذكر استهزاء الكفار بالنبي والمؤمنين سلَّى الله سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم عند ذلك بقوله { ولقد استهزئ برسل من قبلك } كما استهزأ هؤلاء { فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزؤون } أي حلَّ بهم وبال استهزائهم وسخريتهم وقوله { منهم } يعني من الرسل { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { من يكلؤكم بالليل والنهار من الرحمن } أي يحفظكم من بأس الرحمن وعذابه. وقيل: من عوارض الآفات وهو استفهام معناه النفي تقديره لا حافظ لكم من الرحمن.
{ بل هم عن ذكر ربهم معرضون } أي بل هم عن كتاب ربهم معرضون لا يؤمنون به ولا يتفكرون فيه. وقيل: معناه أنهم لا يلتفتون إلى شيء من المواعظ والحجج ثم قال على وجه التوبيخ لهم والتقريع { أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا } تقديره أم لهم آلهة من دوننا تمنعهم من عذابنا وعقوباتنا وتمَّ الكلام.
ثم وصف آلهتهم بالضعف فقال { لا يستطيعون نصر أنفسهم } فكيف ينصروهم. وقيل: معناه أن الكفار لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا يقدرون على دفع ما ينزل بهم عن نفوسهم { ولا هم منها يصحبون } أي ولا الكفار يجارون من عذابنا عن ابن عباس. قال ابن قتيبة: أي لا يجيرهم منا أحد لأن المجير صاحب الجار يقول العرب صحبك الله أي حفظك الله وأجارك. وقيل: يصحبون أي ينصرون ويحفظون عن مجاهد. وقيل: لا يصحبون من الله بخير عن قتادة.
{ بل متعنا هؤلاء وآبائهم } في الدنيا بنعمها فلم نعاجلهم بالعقوبة { حتى طال عليهم العمر } أي طالت أعمارهم فغرَّهم طول العمر وأسباب الدنيا حتى أتوا ما أتوا { أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها } أي ألم ير هؤلاء الكفار أن الأرض تأتيها أمرنا فننقصها بتخريبها وبموت أهلها. وقيل: بموت العلماء، وروي ذلك عن أبي عبد الله (ع) قال نقصانها ذهاب عالمها. وقيل: معناه ننقصها من أطرافها بظهور النبي على من قاتله أرضاً فأرضاً وقوماً فقوماً فيأخذهم قراهم وأرضيهم عن الحسن وقتادة ومعناه أنا ننقصها من جانب المشركين ونزيدها في جانب المسلمين { أفهم الغالبون } أي أفهؤلاء الغالبون أم نحن ومعناه ليسوا بغالبين ولكنهم المغلوبون ورسول الله الغالب وقد تقدَّم تفسير هذه الآية في سورة الرعد.
{ قل إنما أنذركم بالوحي } أي قل يا محمد إنما أنذركم من عذاب الله وأخوّفكم بما أوحى الله إليَّ { ولا يسمع الصم الدعاء } شبَّههم بالصم الذين لا يسمعون النداء إذا نودوا لأنهم لم ينتفعوا بالسمع والمعنى أنهم يستثقلون القرآن وسماعه وذكر الحق فهم في ذلك بمنزلة الأصم الذي لا يسمع { إذا ما ينذرون } أي يخوفون النظم إنما اتصل قوله أم لهم آلهة بقوله { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد } وتقديره أفهم الخالدون أم لهم آلهة تمنع نفوسهم من الموت ومما ينزل الله بهم عن أبي مسلم. وقيل: اتصل بقوله { من يكلؤكم } أي أم لهم آلهة تكلؤهم وتمنعهم ووجه اتصال قوله { قل إنما أنذركم بالوحي } بما قبله إنه اتصل بقوله { قل من يكلؤكم } وتقديره لو تفكروا لعلموا أنه لا عاصم من الله وإن فيما أنذركم به من القرآن أعظم الآيات والحجج. وقيل: إنه اتصل بما تقدم من العظة بحال من مضى من الأمم والمعنى أن ذلك وجميع ما يعظمهم به من الوحي.