خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ
٨١
وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ
٨٢
وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ
٨٣
فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ
٨٤
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ
٨٥
وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ
٨٦
-الأنبياء

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: الريح هو الجو يشتدُّ تارة ويضعف تارة وهي جسم لطيف منفش يمتنع بلطفه من القبض عليه ويظهر للحس بحركته والعصوف شدة حركة الريح عصفت تعصف عصفاً وعصوفاً إذا اشتدت والعصف التبن لأن الريح تعصفه بتطييرها له.
الإعراب: ولسليمان اللام يتعلق بسخرنا والتقدير وسخرنا لداود الجبال وسخرنا لسليمان الريح عاصفة نصب على الحال تجري بأمره في موضع الحال أيضاً فهو حال بعد حال ويحتمل أن يكون حالاً عن الحال التي هي عاصفة ومن يغوصون له عطف على الريح ومن الشياطين في موضع نصب على الحال من سخرنا وذو الحال من يغوصون له ويجوز أن يكون حالاً من يغوصون له وذو الحال الواو معهم في موضع نصب على أنه صفة بعد صفة تقديره وأهلاً مثلهم كائنين معهم وانتصب رحمة بأنه مفعول له.
المعنى: ثم عطف سبحانه بقصة سليمان على ما تقدَّم فقال { ولسليمان الريح } أي وسخَّرنا لسليمان الريح { عاصفة } أي شديدة الهبوب. قال ابن عباس: إذا أراد أن تعصف الريح عصفت وإذا أراد أن ترخي أرخيت وذلك قوله رخاء حيث أصاب { تجري بأمره } أي بأمر سليمان { إلى الأرض التي باركنا فيها } وهي أرض الشام لأنها كانت مأواه وقد سبق ذكرها في هذه السورة. وقيل: كانت الريح تجري في الغداة مسيرة شهر وفي الرواح كذلك وكان يسكن بعلبك ويبني له بيت المقدس ويحتاج إلى الخروج إليها وإلى غيرها.
قال وهب: وكان سليمان يخرج إلى مجلسه فتعكف عليه الطير ويقوم له الجن والأنس حتى يجلس على سريره ويجتمع معه جنوده ثم تحمله الريح حيث أراد { وكنا بكل شيء عالمين } فإنما أعطيناه ما أعطيناه لما علَّمناه من المصلحة.
{ ومن الشياطين من يغوصون له } أي وسخَّرنا لسليمان من الشياطين من يغوصون له في البحر فيخرجون له الجواهر واللآلىء والغوص النزول إلى تحت الماء { ويعملون عملاً دون ذلك } أي سوى ذلك من الأبنية كالمحاريب والتماثيل وغيرهما { وكنا لهم حافظين } لئلا يهربوا منه ويمتنعوا عليه. وقيل: يحفظهم الله من أن يفسدوا ما عملوه عن الفراء والزجاج.
{ وأيوب إذ نادى ربه } أي واذكر يا محمد أيوب حين دعا ربه لما امتدت المحنة به { إني مسني الضر } أي نالني الضرُّ وأصابني الجهد { وأنت أرحم الراحمين } أي ولا أحد أرحم منك وهذا تعريض منه بالدعاء لإزالة ما به من البلاء وهو من لطيف الكنايات في طلب الحاجات ومثله قول موسى
{ { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } [القصص: 24].
{ فاستجبنا له } أي أجبنا دعاءه ونداءه { فكشفنا ما به من ضر } أي أزلنا ما به من الأوجاع والأمراض { وآتيناه أهله ومثلهم معهم }. قال ابن عباس وابن مسعود ردَّ الله سبحانه عليه أهله الذين هلكوا بأعيانهم وأعطاه مثلهم معهم وكذلك ردَّ الله عليه أمواله ومواشيه بأعيانها وأعطاه مثلها معها. وبه قال الحسن وقتادة: وهو المروي عن أبي عبد الله (ع). وقيل: إنه خُيِّر أيوب فاختار إحياء أهله في الآخرة ومثلهم في الدنيا فأوتي على ما اختار عن عكرمة ومجاهد. قال وهب: وكان له سبع بنات وثلاثة بنين. وقال ابن يسار: سبعة بنين وسبع بنات { رحمة من عندنا } أي نعمة منّا عليه { وذكرى للعابدين } أي موعظة لهم في الصبر والانقطاع إلى الله تعالى والتوكل عليه لأنه لم يكن في عصر أيوب أحد أكرم على الله منه فابتلاه بالمحن العظيمة فأحسن الصبر عليها فينبغي لكل عاقل إذا أصابته محنة أن يصبر عليها ولا يجزع ويعلم أن عاقبة الصبر محمودة.
{ وإسماعيل وإدريس وذا الكفل } أي واذكر هؤلاء الأنبياء وما أنعمت عليهم من فنون النعمة ثم قال { كل من الصابرين } صبروا على بلاء الله والعمل بطاعته فأما إسماعيل فإنه صبر ببلد لا زرع به ولا ضرع وقام ببناء الكعبة وأما إدريس فإنه صبر على الدعاء إلى الله وكان أول من بعث إلى قومه فدعاهم إلى الدين فأبوا فأهلكهم الله تعالى ورفعه إلى السماء السادسة وأما ذو الكفل فاختلف فيه فقيل إنه كان رجلاً صالحاً ولم يكن نبياً ولكنه تكفل لنبي بصوم النهار وقيام الليل وأن لا يغضب ويعمل بالحق فوفى بذلك فشكر الله ذلك له عن أبي موسى الأشعري وقتادة ومجاهد. وقيل: هو نبي اسمه ذو الكفل عن الحسن قال ولم يقص الله خبره مفصلاً. وقيل: هو إلياس عن ابن عباس. وقيل: كان نبياً وسمي ذا الكفل بمعنى أنه ذو الضعف فله ضعف ثواب غيره ممن هو في زمانه لشرف عمله عن الجبائي. وقيل: هو اليسع بن خطوب الذي كان مع إلياس وليس اليسع الذي ذكره الله في القرآن تكفل لملك جبار إن هو تاب دخل ودفع إليه كتاباً بذلك فتاب الملك وكان اسمه كنعان فسمي ذا الكفل والكفل في اللغة هو الخط.
وفي كتاب النبوة بالإسناد عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني قال كتبت إلى أبي جعفر (ع) أسأله عن ذي الكفل وما اسمه وهل كان من المرسلين فكتب (ع): إن الله بعث مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي المرسلين منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً وإن ذا الكفل منهم وكان بعد سليمان بن داود (ع) وكان يقضي بين الناس كما يقضي داود (ع) ولم يغضب قطُّ إلا لله تعالى وكان اسمه عدويا بن ادارين.
{ وأدخلناهم في رحمتنا } أي وأدخلنا هؤلاء الذين ذكرناهم من الأنبياء في نعمتنا وأراد غمرناهم بالرحمة ولو قال رحمناهم لما أفاد ذلك بل أفاد أنه فعل بهم الرحمة { إنهم من الصالحين } أي إنما أدخلناهم في رحمتنا لأنهم كانوا ممن صلحت أعمالهم.