خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٨٧
فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ
٨٨
وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ
٨٩
فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ
٩٠
-الأنبياء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ يعقوب فظن أن لن يُقْدَرَ بضم الياء والباقون نقدر بالنون وكسر الدال وقرأ ابن عامر وأبو بكر نجي بنون واحدة وتشديد الجيم والباقون ننجي بالنونين.
الحجة: قوله إن لن نقدر عليه إن هذه مخففة من الثقيلة وتقديره ظن أنه لن نقدر عليه أي لن نضيق عليه ومن قرأ لن يقدر عليه فهو مثل الأول في المعنى بني الفعل للمفعول به وأقيم الجار والمجرور مقام الفاعل ومن قرأ نجي المؤمنين بنون واحدة. قال أبو بكر السراج: هو وهم لأن النون لا تدغم في الجيم وانما خفيت لأنها ساكنة تخرج من الخياشيم فحذفت في الكتابة وهي في اللفظ ثابتة. قال أبو علي: والقول في ذلك إن عاصماً ينبغي أن يكون قرأ بنونين وأخفى الثانية فظن السامع أنه مدغم وكذلك غيره.
المعنى: ثم ذكر سبحانه قصة يونس (ع) فقال { وذا النون } أي واذكر ذا النون والنون الحوت وصاحبها يونس بن متى { إذ ذهب } أي حين ذهب { مغاضباً } لقومه عن ابن عباس والضحاك أي مراغماً لهم من حيث إنه دعاهم إلى الإيمان مدة طويلة فلم يؤمنوا حتى أوعدهم الله بالعذاب فخرج من بينهم مغاضباً لهم قبل أن يؤذن له { فظن أن لن نقدر عليه } أي لن نضيق عليه عن عطاء وجماعة من المفسرين. وقيل: ظن أن لن نقضي عليه ما قضيناه والقدر بمعنى القضاء عن مجاهد وقتادة والكلبي والجبائي.
قال الجبائي: ضيَّق الله عليه الطريق حتى ألجأه إلى ركوب البحر ثم قذف فيه فابتلعته السمكة ومن قال إنه خرج مغاضباً لربه وأنه ظن أن لن يقدر الله على أخذه بمعنى أنه يعجز عنه فقد أساء الثناء على الأنبياء فإن مغاضبة الله كفرٌ أو كبيرة عظيمة وتجويز العجز على الله سبحانه كذلك فكيف يجوز ذلك على نبيّ من أنبياء الله تعالى. وقال ابن زيد: إنه استفهام معناه التوبيخ وتقديره فظنَّ إن لن نقدر عليه، وأنكره علي بن عيسى وقال لا يجوز حذف الاستفهام من غير دليل عليه وقد جاء في كلام العرب حذفه على خلاف ما قاله أنشد النحويون قول عمر بن أبي ربيعة:

ثُـمَّ قــالُوا تَحِبُّـــها قُلْتُ بَهْراً عَدَدَ القَطْرِ وَالحصى وَالتُّرابِ

أي أتحبها { فنادى في الظلمات } قيل إنها ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت عن ابن عباس وقتادة. وقيل: كان حوت في بطن حوت عن سالم بن أبي الجعد { أن لا إله إلا أنت سبحانك } لما أراد السؤال والدعاء قدّم ذكر التوحيد والعدل ثم قال { إني كنت من الظالمين } أي من الذين يقع منهم الظلم، وإنما قاله على سبيل الخشوع والخضوع لأن جنس البشر لا يمتنع منه وقوع الظلم، قال الجبائي: لم يكن يونس في بطن الحوت على جهة العقوبة من الله تعالى لأن العقوبة عداوة للمعاقب لكن كان ذلك على وجه التأديب والتأديب يجوز للمكلف وغير المكلف كتأديب الصبي وغيره وبقاؤه في بطن الحوت حيّاً معجزة له.
{ فاستجبنا له ونجّيناه من الغم } أي من بطن الحوت { وكذلك ننجي المؤمنين } أي ننجيهم إذا دعونا به كما أنجينا ذا النون.
ثم قال سبحانه { وزكريا } أي واذكر زكريا { إذ نادى ربه } ودعاه يا { رب لا تذرني فرداً } بغير وارث ولا ولد يعينني على أمر الدين والدنيا في حياتي ويرثني بعد وفاتي { وأنت خير الوارثين } هذا ثناء على الله سبحانه بأنه الباقي بعد فناء خلقه وأنه خير من بقي حيّاً بعد ميت وإن الخلق كلهم يموتون ويبقى هو سبحانه { فاستجبنا له ووهبنا له يحيى } روى الحرث بن المغيرة قال قلت لأبي عبد الله (ع) إني من أهل بيت قد انقرضوا وليس لي ولد فقال: ادع وأنت ساجد رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين. قال: ففعلت فولد لي علي والحسين.
{ وأصلحنا له زوجه } بأن كانت عقيمة فجعلناها ولوداً عن قتادة. وقيل: كانت هرمة فرددنا عليها شبابها عن أبي مسلم. وقيل: كانت سيئة الخلق فجعلناها حسنة الخلق { إنهم } يعني زكريا ويحيى. وقيل: معناه أن الأنبياء الذين تقدم ذكرهم { كانوا يسارعون في الخيرات } أي يبادرون إلى الطاعات والعبادات { ويدعوننا رغباً ورهباً } أي للرغبة والرهبة رغبة في الثواب ورهبة من العقاب. وقيل: راغبين وراهبين عن الضحاك. وقيل: رغباً ببطون الأكف ورهباً بظهور الأكف { وكانوا لنا خاشعين } أي متواضعين عن ابن عباس. وقيل: الخشوع المخافة الثابتة في القلب عن الحسن. وقيل: معناه أنهم قالوا حال النعمة اللهم لا تجعلها استدراجاً وحال السيئة اللهم لا تجعلها عقوبة بذنب سلف منا وفي قوله سبحانه { ويسارعون في الخيرات } دلالة على أن المسارعة إلى كل طاعة مرغب فيها وعلى أن الصلاة في أول الوقت أفضل.