خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٢٥
وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ
٢٦
وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ
٢٧
لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ
٢٨
ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ
٢٩
ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ
٣٠
-الحج

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ حفص عن عاصم وروح وزيد عن يعقوب سواء بالنصب والباقون بالرفع وفي الشواذ قراءة ابن عباس وأبي مجلز ومجاهد وعكرمة والحسن رجالاً بالتشديد والضم وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) وقراءة ابن أبي إسحاق والزهري والحسن بخلاف رجالاً بالضم والتخفيف.
الحجة: قال أبو علي: وجه الرفع في سواء أنه خبر مبتدأ مقدم والمعنى العاكف فيه والبادي سواء ليس أحدهما بأحق به من صاحبه وهذا يدل على أن أرض الحرم لا تملك ولو ملكت لم يستويا فيها وصار العاكف فيها أولى بها من البادي لحق ملكه ولكن سبيلها سبيل المساجد التي من سبق إليها كان أولى بها ومن نصب سواء أعمل المصدر إعمال اسم الفاعل فرفع العاكف به كما يرفع بمستوى لو قال جعلناه مستوياً العاكف فيه والبادي ووجه إعماله أن المصدر قد يقوم مقام اسم الفاعل في الصفة في نحو قولهم رجل عدل فيصير عدل كعادل.
ويجوز في نصب سواء وجه آخر وهو أن تنصبه على الحال فإذا نصبته عليها وجعلت قوله للناس مستقراً جاز أن يكون حالاً يعمل فيها معنى الفعل وذو الحال الذكر الذي في المستقر ويجوز أن يكون حالاً من الفعل الذي هو جعلناه فإن جعلتها حالاً من الضمير المتصل بالفعل كان الضمير ذا الحال والعامل في الفعل وجواز كون للناس مستقراً على أن يكون المعنى أنه جعل للناس ونصب لهم منسكاً ومتعبداً كما قال
{ إن أول بيت وضع للناس } [آل عمران: 96] وأما قوله رجّالاً فهو جمع راجل مثل طالب وطلاب وكاتب وكتاب وأما رُجالاً بتخفيف الجيم فهو غريب في الجمع فهو نحو ظُؤار وعُراق ورُخال في جمع ظئر وعرق ورخل.
اللغة: العاكف المقيم الملازم للمكان والبادي أصله من بدا يبدو إذا ظهر والبدو خلاف الحضر سمي بذلك لظهوره والبادي في الآية الطارئ والمكان ما يتمكن عليه الشيء قيل هو اسم لما أحاط بالشيء والمكان والموضع والمستقر نظائر والرجال جمع راجل مثل صحاب وقيام في جمع صاحب وقائم والضامر المهزول أضمره السير والعميق البعيد. قال الراجز:

يقطعن بعد النازح العميق

والبائس الذي به ضرّ الجوع والفقير الذي لا شيء له يقال بؤس فهو بائس أي صار ذا بؤس وهو الشدة. قال الأزهري: لا يعرف التفث في لغة العرب إلا من قول ابن عباس وأهل التفسير. وقال النضر بن شميل: هو إذهاب الشعث.
الإِعراب: خبر أن الذين كفروا محذوف يدل عليه { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم } فالمعنى إن الذين كفروا نذيقهم العذاب الأليم ومن يرد فيه بالحاد الباء فيه زائدة تقديره ومن يرد فيه إلحاداً والباء في قوله بظلم للتعدية وما جاءت الباء فيه مزيدة قول الشاعر:

بِوادٍ يَمانٍ يُنْبِتُ الشَّثَّ صَدْرُهُ وَأَسْفَلُهُ بِالْمَـــرْخِ والشُّبُهـــانِ

وقول الأعشى:

ضَمِنَــتْ بِـــرِزْقِ عِيـــالِنا أرْماحُنا مِلْءَ الْمَراجِلِ والصَّرِيحَ الأجْرَدا

وقول امرئ القيس:

ألا هَلْ أتاهَا وَالْحَوادِثُ جَمَّةٌ بِأنّ أمْرَءَ الْقَيْس بْنَ تَمْلِكَ بَيْقَرا

وقال الزجاج والذي يذهب إليه أصحابنا أن الباء ليست بملغاة والمعنى عندهم ومن إرادته فيه بأن يلحد بظلم وهو مثل قوله:

أُرِيدُ لأنْسى ذِكْرَها فَكَأَنَّما تَمَثَّــلُ لِــي لَيْلى بِكُلِّ سَبِيلِ

والمعنى أريد وإرادتي لهذا على كل ضامر في موضع نصب على الحال أي يأتوك رجالاً وركباناً ويأتين في موضع جرّ لأن المعنى في قوله وعلى كل ضامر على إبل ضامرة آتية من كل فج عميق وروي عن أبي عبد الله (ع) أنه قرأ يأتون فعلى هذا يعود الضمير في يأتون إلى الناس.
المعنى: ثم بيَّن سبحانه حال الكفار فقال { إن الذين كفروا ويصدّون عن سبيل الله } عطف بالمضارع على الماضي لأن المراد بالمضارع أيضاً الماضي ويقوّيه قوله الذين كفروا وصدّوا عن سبيل الله ويجوز أن يكون المعنى أن الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدّون الناس عن طاعة الله { والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس } أي مستقراً ومنسكاً ومتعبداً. وقيل: معناه خلقناه للناس كلهم لم يخصّ به بعض دون بعض. قال الزجاج: جعلناه للناس وقف تام.
ثم قال { سواء العاكف فيه والباد } أي العاكف المقيم فيه والباد الذي ينتابه من غير أهله مستويان في سكناه والنزول به فليس أحدهما أحق بالمنزل يكون فيه من الآخر غير أنه لا يخرج أحد من بيته عن ابن عباس وقتادة وسعيد بن جبير قالوا: إن كراء دور مكة وبيعها حرام والمراد بالمسجد الحرام على هذا الحرم كله كقوله
{ { أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام } [الإسراء: 1] وقيل: المراد بالمسجد الحرام عين المسجد الذي يصلى فيه عن الحسن ومجاهد والجبائي والظاهر يدل عليه وعلى هذا يكون المعنى في قوله جعلناه للناس أي قبلة لصلاتهم ومنسكاً لحجهم فالعاكف والباد سواء في حكم النسك وكان المشركون يمنعون المسلمين عن الصلاة في المسجد الحرام والطواف به ويدّعون أنهم أربابه وولاته.
{ ومن يرد فيه بإلحاد بظلم } والإلحاد العدول عن القصد واختلف في معناه ههنا فقيل هو الشرك وعبادة غير الله تعالى عن قتادة فكأنه قال ومن يرد فيه ميلاً عن الحق بأن يعبد غير الله ظلماً وعدواناً. وقيل: هو الاستحلال للحرام والركوب للآثام عن ابن عباس والضحاك ومجاهد وابن زيد. وقيل: هو كل شيء نهى عنه حتى شتم الخادم لأن الذنوب هناك أعظم. وقيل: هو دخول مكة بغير إحرام عن عطاء { نذقه من عذاب أليم } أي نعذبه عذاباً وجيعاً. وقيل: إن الآية نزلت في الدّين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مكة عام الحديبية.
{ وإذ بوَّأنا لإِبراهيم مكان البيت } معناه واذكر يا محمد إذ وطأنا لإبراهيم مكان البيت وعرفناه ذلك بما جعلنا له من العلامة. قال السدي: إن الله تعالى لما أمره ببناء الكعبة لم يدر أين يبني فبعث الله ريحاً خجوجاً فكنست له ما حول الكعبة عن الأساس الأول الذي كان البيت عليه قبل أن رفع أيام الطوفان. وقال الكلبي: بعث الله سبحانه على قدر البيت فيها رأس تتكلم فقامت بحيال الكعبة وقالت يا إبراهيم ابن على قدري. وقيل: إن المعنى جعلنا البيت مثوبة ومسكنة عن ابن الأنباري.
{ أن لا تشرك بي شيئاً } أي وأوحينا إليه أن لا تعبد غيري. قال المبرد: كأنه قال وحّدني في هذا البيت لأن معنى لا تشرك بي شيئاً وحدّني { وطهر بيتي } من الشرك وعبادة الأوثان عن قتادة { للطائفين والقائمين والركع السجود } مفسر بسورة البقرة والمراد بالقائمين المقيمين بمكة. وقيل: القائمين في الصلاة عن عطاء.
{ وأذن في الناس بالحج } أي ناد في الناس وأعلمهم بوجوب الحج واختلف في المخاطب به على قولين أحدهما: أنه إبراهيم عن علي وابن عباس واختاره أبو مسلم. قال ابن عباس: قام في المقام فنادى يا أيها الناس إن الله دعاكم إلى الحج فأجابوا بلبيك اللهم لبيك والثاني: أن المخاطب به نبينا محمد عليه أفضل الصلوات أي وأذن يا محمد في الناس بالحج فأذن صلوات الله عليه في حجة الوداع أي أعلمهم بوجوب الحج عن الحسن والجبائي وجمهور المفسرين على القول الأول، وقالوا: أسمع الله تعالى صوت إبراهيم كل من سبق علمه بأنه يحج إلى يوم القيامة كما أسمع سليمان مع ارتفاع منزلته وكثرة جنوده حوله صوت النملة مع خفضه وسكونه وفي رواية عطاء عن ابن عباس قال لما أمر الله سبحانه إبراهيم أن ينادي في الناس بالحج صعد أبا قبيس ووضع اصبعه في أذنيه وقال يا أيها الناس أجيبوا ربكم فأجابوه بالتلبية في أصلاب الرجال وأول من أجابه أهل اليمن.
{ يأتوك رجالاً } أي مشاة على أرجلهم { وعلى كل ضامر } أي ركباناً. قال ابن عباس: يريد الإبل ولا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد هزل وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال لبنيه يا بني حجوا من مكة مشاة حتى ترجعوا إليها مشاة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"للحاج الراكب بكل خطوة تخطوها راحلته سبعون حسنة وللحاج الماشي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة من حسنات الحرم. قيل: وما حسنات الحرم قال: الحسنة بمائة ألف حسنة" .
{ يأتين من كل فج عميق } أي طريق بعيد وروي مرفوعاً عن أنس بن مالك قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات الملائكة يقول يا ملائكتي انظروا إلى عبادي شعثاً غبراً أقبلوا يضربون إليّ من كل فجّ عميق فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت محسنهم جميع ما سألوني غير التبعات التي بينهم. فإذا أفاض القوم إلى جَمْع ووقفوا وعادوا في الرغبة والطلب إلى الله يقول يا ملائكتي عبادي وقفوا وعادوا في الرغبة والطلب فأشهدكم أني قد أجبت دعاءهم وشفعت رغبتهم ووهبت مسيئهم لمحسنهم وأعطيت محسنهم جميع ما سألني وكفلت عنهم بالتبعات التي بينهم" .
وقوله { ليشهدوا منافع لهم } قيل يعني بالمنافع التجارات عن ابن عباس وسعيد بن جبير. وقيل: التجارة في الدنيا والأجر والثواب في الآخرة عن مجاهد. وقيل: هي منافع الآخرة وهي العفو والمغفرة عن سعيد بن المسيب وعطية العوفي وهو المروي عن أبي جعفر الباقر (ع) ويكون المعنى ليحضروا ما ندبهم الله إليه مما فيه النفع لهم في الآخرة.
{ ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } اختلف في هذه الأيام وفي الذكر فيها فقيل هي أيام العشر. وقيل: لها معلومات للحرص على علمها من أجل وقت الحج في أخرها والمعدودات أيام التشريق عن الحسن ومجاهد. وقيل: هي أيام التشريق يوم النحر وثلاثة بعده والمعدودات أيام العشر عن ابن عباس وهو المروي عن أبي جعفر (ع) واختاره الزجاج قال لأن الذكر ههنا يدل على التسمية على ما ينحر لقوله { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } أي على ذبح ونحر ما رزقهم من الإِبل والبقر والغنم وهذه الأيام تختص بذلك. وقيل: إن الذكر فيها كناية عن الذبح لأن صحة الذبح لما كان بالتسمية سمي باسمه توسعاً. وقيل: هو التكبير. قال أبو عبد الله: التكبير بمنى عقيب خمس عشرة صلاة أولها صلاة الظهر من يوم النحر يقول الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد الله أكبر على ما هدانا والحمد لله على ما أبلانا والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والبهيمة أصلها من الإِبهام وذلك أنها لا تفصح كما يفصح الحيوان الناطق والإنعام والإبل واشتقاقها من النعمة وهي اللين سميت بذلك للين أخفافها وقد يجتمع معها البقر والغنم فيسمى الجميع أنعاماً اتساعاً وإن انفردا لم يسميا أنعاماً.
{ فكلوا منها } أي من بهيمة الأنعام وهذا إباحة وندب وليس بواجب { وأطعموا البائس الفقير } فالبائس الذي ظهر عليه أثر البؤس من الجوع والعري. وقيل: البائس الذي يمدّ يده بالسؤال ويتكفف للطلب أمر سبحانه أن يعطى هؤلاء من الهدي { ثم ليقضوا تفثهم } أي ليزيلوا شعث الإحرام من تقليم ظفر وأخذ شعر وغسل واستعمال طيب عن الحسن. وقيل: معناه ليقضوا مناسك الحج كلها عن ابن عباس وابن عمر. قال الزجاج: قضاء التفث كناية عن الخروج من الإحرام إلى الإِحلال.
{ وليوفوا نذورهم } أي وليتموا نذورهم بقضائها ولم يقل بنذورهم لأن المراد بالإِيفاء الإِتمام. قال ابن عباس: هو نحر ما نذروا من البدن. وقيل: هو ما نذروا من أعمال البرّ في أيام الحج وربما نذر الإنسان أن يتصدق إن رزقه الله الحج وإن كان على الرجل نذور مطلقة فالأفضل أن يفي بها هناك.
{ وليطوفوا بالبيت العتيق } هذا أمر وظاهره يقتضي الوجوب. وقيل: أراد به طواف الزيارة لأنه من أركان أفعال الحج بلا خلاف. وقيل: إنه طواف الصدر لأنه سبحانه أمر به عقيب المناسك كلها وروى أصحابنا أن المراد به طواف النساء الذي يستباح به وصل النساء وذلك بعد طواف الزيارة فإنه إذا طاف طواف الزيارة حلّ له كل شيء إلا النساء فإذا طاف طواف النساء حلت له النساء والبيت العتيق هو الكعبة وإنما سمي عتيقاً لأنه أعتق من أن يملكه العبيد عن مجاهد وسفيان بن عيينة وأبي مسلم. وقيل: إنما سمي عتيقاً لأنه أعتق من أن تصل الجبابرة إلى تخريبه وما قصده جبار قبل نبينا صلى الله عليه وسلم إلا أهلكه الله تعالى وإنما لم يهلك الحجاج حين نقضه وبناه ثانياً ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه أمن ببركته هذه الأمة من عذاب الاستئصال عن مجاهد. وقيل: سمي به لأنه أعتق من الطوفان فغرقت الأرض كلها إلا موضع البيت. وقيل: سمي به لأنه قديم فهو أول بيت وضع للناس بناه آدم (ع) ثم جدَّده إبراهيم (ع) عن ابن زيد.
{ ذلك } قيل ههنا وقف ومعناه الأمر ذلك أي هكذا أمر الحج والمناسك { ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه } أي فالتعظيم خير له عند ربه أي في الآخرة والحرمة ما لا يحل انتهاكه. وقال الزجاج: الحرمة ما وجب القيام به وحرم التفريط فيه وهي في هذه الآية ما نهى عنها ومنع من الوقوع فيها وتعظيمها ترك ملامستها واختار أكثر المفسرين في معنى الحرمات هنا أنها المناسك لدلالة ما يتصل بها من الآيات على ذلك. وقيل: معناها ههنا البيت الحرام والبلد الحرام والشهر الحرام والمسجد الحرام عن ابن زيد قال ويدل عليه قوله
{ والحرمات قصاص } [البقرة: 194] { وأحلت لكم الأنعام } أي الإِبل والبقر والغنم { إلا ما يتلى عليكم } يعني في سورة المائدة من الميتة والمنخنقة والموقوذة ونحوها.
{ فاجتنبوا الرجس من الأوثان } من هنا للتبيين والتقدير فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان وروى أصحابنا أن اللعب بالشطرنج والنرد وسائر أنواع القمار من ذلك. وقيل: إنهم كانوا يلطخون الأوثان بدماء قرابينهم فسمي ذلك رجساً { واجتنبوا قول الزور } يعني الكذب. وقيل: هو تلبية المشركين لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك وروى أصحابنا أنه يدخل فيه الغناء وسائر الأقوال الملهية وروى أيمن بن خريم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام خطيباً فقال:
"أيها الناس عدلت شهادة الزور بالشرك بالله" ثم قرأ { فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور } يريد أن قد جمع في النهي بين عبادة الوثن وشهادة الزور.