خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٤
إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٥
-النور

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: في الشواذ قراءة عبد الله بن مسلم بن يسار وأبي زرعة بأربعة بالتنوين.
الحجة: من قرأ بأربعة شهداء بغير تنوين أضاف العدد إلى شهداء وإن كان الشهداء من الصفات وساغ ذلك لأنهم استعملوها استعمال الأسماء كقولهم إذا دفن الشهيد صلت عليه الملائكة ونحو ذلك فحسن إضافة اسم العدد إليها كما يضاف إلى الاسم الصريح، ومن قرأ بالتنوين جعل شهداء صفة لأربعة في موضع جر ويجوز أن يكون في موضع نصب من جهتين أحداهما: أن يكون على معنى ثم لم يحضروا أربعة شهداء وعلى الحال من النكرة أي لم يأتوا في حال الشهادة قاله الزجاج.
الإعراب: موضع الذين يرمون رفع بالابتداء ومن قرأ الزانية والزاني بالنصب فيكون على ذلك موضع والذين يرمون نصباً على معنى اجلدوا الذين يرمون المحصنات والمحصنات هنا اللاتي أحصن فروجهن بالعفة والذين تابوا في محل النصب على الاستثناء من قوله { ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } عند من قال أن شهادتهم مقبولة ويكون قوله { وأولئك هم الفاسقون } صفة لهم ويجوز أن يكون في موضع جر على البدل من هم في لهم ومن قال إن شهادة القاذف غير مقبولة فعنده يكون في موضع النصب على الاستثناء من قوله { وأولئك هم الفاسقون }.
المعنى: لمّا تقدَّم ذكر حدّ الزنا عقَّبه سبحانه بذكر حد القاذف بالزنا فقال سبحانه { والذين يرمون المحصنات } أي يقذفون العفائف من النساء بالفجور والزنا وحذف لدلالة الكلام عليه { ثم لم يأتوا بأربعة شهداء } أي ثم لم يأتوا على صحة ما رموهن به من الزنا بأربعة شهداء عدول يشهدون أنهم رأوهن يفعلن ذلك { فاجلدوهم } أي فاجلدوا الذين يرمونهن بالزنا { ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً } نهى سبحانه عن قبول شهادة القاذف على التأبيد وحكم عليهم بالفسق.
ثم استثنى من ذلك فقال { إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا } أعمالهم { فإن الله غفور رحيم } واختلف في هذا الاستثناء إلى ماذا يرجع على قولين:
أحدهما: أنه يرجع إلى الفسق خاصة دون قوله ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً فيزول عنه اسم الفسق بالتوبة ولا تقبل شهادته إذا تاب بعد إقامة الحد عليه عن الحسن وقتادة وشريح وإبراهيم وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والآخر: أن الاستثناء يرجع إلى الأمرين فإذا تاب قبلت شهادته حداً ولم يحد عن ابن عباس في رواية الوالبي ومجاهد والزهري ومسروق وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير والشعبي، وهو اختيار الشافعي وأصحابه وقول أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع).
قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز فاشهد لأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال لأبي بكرة لما شهد على المغيرة بن شعبة: تب تقبل شهادتك، أو: إن تبت تقبل شهادتك فأبى أبو بكرة أن يكذب نفسه.
وقال الزجاج: ليس القاذف بأشد جرماً من الكافر والكافر إذا أسلم قبلت شهادته فالقاذف أيضاً حقه إذا تاب أن تقبل شهادته يعضد هذا القول أن المتكلم بالفاحشة لا ينبغي أن يكون أعظم جرماً من مرتكبها ولا خلاف في العاهر أنه إذا تاب قبلت شهادته، فالقاذف إذا تاب ونزع مع أنه أيسر جرماً يجب أن تقبل شهادته. وقال الحسن: يجلد القاذف وعليه ثيابه ويجلد الرجل قائماً والمرأة قاعدة وهو المروي عن أبي جعفر (ع).
ومن شرط توبة القاذف أن يكذب نفسه فيما قاله فإن لم يفعل ذلك لم يجز قبول شهادته وبه قال الشافعي. وقيل: إنه لا يحتاج إلى ذلك وهو قول مالك والآية وردت في النساء وحكم الرجال حكمهن ذلك في الإجماع وإذا كان القاذف عبداً أو أمة فالحد أربعون جلدة عند أكثر الفقهاء وروى أصحابنا أن الحدّ ثمانون في الحر والعبد سواء وظاهر الآية يقتضي ذلك وبه قال عمر بن عبد العزيز والقاسم بن عبد الرحمن.