خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٥٣
قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ
٥٤
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ
٥٥
-النور

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أبو بكر كما استخلف بضم التاء والباقون بفتح التاء وقرأ ابن كثير وأبو بكر ويعقوب وسهل وليُبْدِلنهم من الإبدال والباقون بالتشديد من التبديل.
الحجة: قال أبو علي: الوجه في كما استخلف بفتح التاء واللام لأن اسم الله قد تقدَّم ذكره والضمير في ليستخلفهم يعود إليه فكذلك في قوله كما استخلف والوجه في استخلف أنه يراد به ما يراد باستخلف والتبديل والإبدال بمعنى. وقيل: إن التبديل تغيير حال إلى حال أخرى يقال بدل صورته والإبدال رفع الشيء بإن يجعل غيره مكانه قال:

عـزل الأميـر بالأميـر المبـدلِ

الإِعراب: وأقسموا بالله جهد أيمانهم أصله وأقسموا بالله يجهدون الأَيمان جهداً فحذف الفعل وأقيم مصدره مضافاً إلى المفعول مقامه كقوله فضرب الرقاب وحكم هذا المنصوب حكم الحال كأنه قال جاهدين أيمانهم طاعة مبتدء وخبره محذوف تقديره طاعة معروفة أولى بكم وأَفضل لكم ليستخلفنهم جواب قسم بدل عليه قوله وعد الله لأن وعده سبحانه كالقسم يعبدونني يجوز أن يكون جملة مستأنفة على طريق الثناء عليهم ويجوز أن يكون في موضع نصب على الحال.
المعنى: ولمّا بيَّن الله سبحانه كراهتهم لحكمه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم والله لو أمرتنا بالخروج من ديارنا وأموالنا لفعلنا فقال الله سبحانه { وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن } أي حلفوا بالله أغلظ أيمانهم وقدر طاقتهم إنك إن أمرتنا بالخروج في غزواتك لخرجنا { قل } لهم يا محمد { لا تقسموا } أي لا تحلفوا وتمَّ الكلام { طاعة معروفة } أي طاعة حسنة للنبي صلى الله عليه وسلم خالصة صادقة أفضل وأحسن من قسمكم بما لا تصدقون فحذف خبر المبتدأ للعلم به. وقيل: معناه ليكن منكم طاعة والقول المعروف هو المعروف صحته { إن الله خبير بما تعملون } أي من طاعتكم بالقول ومخالفتكم بالفعل.
ثم أمرهم سبحانه بالطاعة فقال { قل } لهم { أطيعوا الله } فيما أمركم به { وأطيعوا الرسول } فيما أتاكم به واحذروا المخالفة { فإن تولوا } أي فإن تعرضوا عن طاعة الله وطاعة رسوله والأصل تتولوا فحذف أحد التاءين { فإنما عليه } أي على الرسول { ما حمل } أي كلف وأمر من التبليغ وإداء الرسالة { وعليكم ما حملتم } أي كلفتم من الطاعة والمتابعة { وإن تطيعوه } أي وإن تطيعوا الرسول { تهتدوا } إلى الرشد والصلاح وإلى طريق الجنة { وما على الرسول إلا البلاغ المبين } أي ليس عليه إلا أداء الرسالة وبيان الشريعة وليس عليه الاهتداء وإنما ذلك عليكم ونفعه عائد إليكم والمبين البين الواضح.
{ وعد الله الذين آمنوا منكم } أَي صدقوا بالله وبرسوله وبجميع ما يجب التصديق به { وعملوا الصالحات } أي الطاعات الخالصة لله { ليستخلفنهم في الأرض } أي ليجعلنهم يخلفون من قبلهم والمعنى ليورثنهم أرض الكافر من العرب والعجم فيجعلهم سكانها وملوكها { كما استخلف الذين من قبلهم }. قال مقاتل: يعني بني إسرائيل إذ أهلك الله الجبابرة بمصر وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم. وعن أبي بن كعب قال: لما قدم رسول الله لله وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحدة وكانوا لا يبيتون إلا مع السلاح ولا يصبحون إلا فيه فقالوا ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله فنزلت هذه الآية وعن المقداد بن الأسود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" لا يبقى على الأرض بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله تعالى كلمة الإِسلام بعز عزيز أو ذل ذليل إما أن يعزهم الله فيجعلهم من أهلها وإما أن يذلهم فيدينون لها" ". وقيل: إنه أراد بالأرض أرض مكة لأن المهاجرين كانوا يسألون ذلك.
{ وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم } يعني دين الإِسلام الذي أمرهم أن يدينوا به وتمكينه أن يظهره على الدين كله كما قال زويت الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها. وقيل: تمكينه بإعزاز أهله وإذلال أهل الشرك وتمكين أهله من إظهاره بعد إن كانوا يخفونه { وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً } أي وليصيرنهم بعد أن كانوا خائفين بمكة آمنين بقوة الإِسلام وانبساطه. قال مقاتل: وقد فعل الله ذلك بهم وبمن كان بعدهم من هذه الأمة مكَّن لهم في الأرض وأبدلهم أمناً من بعد خوف وبسط لهم في الأرض فقد أنجز وعده لهم. وقيل: معناه وليبدلنهم من بعد خوفهم في الدنيا أمناً في الآخرة ويعضده ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال حاكياً عن الله سبحانه:
"إني لا أجمع على عبد واحد بين خوفين ولا بين أمنين إن خافني في الدنيا أمنته في الآخرة وإن أمنني في الدنيا خوّفته في الآخرة" .
{ يعبدونني لا يشركون بي شيئاً } هذا استئناف كلام في الثناء عليهم ومعناه لا يخافون غيري عن ابن عباس. وقيل: معناه لا يراؤون بعبادتي أحداً وفي الآية دلالة على صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم من جهة الإِخبار عن غيب لا يعلم إلا بوحي من الله عز وجل.
{ ومن كفر بعد ذلك } أي بعد هذه النعمة { فأولئك هم الفاسقون } ذكر الفسق بعد الكفر مع أن الكفر أعظم من الفسق لأن الفسق في كل شيء هو الخروج إلى أكثره فالمعنى أُولئك هم الخارجون إلى أقبح وجوه الكفر وأفحشه. وقيل: معناه من جحد تلك النعمة بعد إنعام الله تعالى بها فأولئك هم العاصون لله عن ابن عباس.
واختلف في الآية فقيل إنها واردة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وقيل: هي عامة في أُمة محمد صلى الله عليه وسلم عن ابن عباس ومجاهد. والمروي عن أهل البيت (ع) أنها في المهدي من آل محمد صلى الله عليه وسلم وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين (ع) أنه قرأ الآية وقال هم والله شيعتنا أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا وهو مهدي هذه الأمة وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يلي رجل من عترتي اسمه اسمي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً" .
وروي مثل ذلك عن أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) فعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا وعملوا الصالحات النبي وأهل بيته صلوات الرحمن عليهم وتضمنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكن في البلاد وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي (ع) منهم ويكون المراد بقوله { كما استخلف الذين من قبلهم } هو أن جعل الصالح للخلاف خليفة مثل آدم وداود وسليمان (ع) ويدل على ذلك قوله { { إني جاعل في الأرض خليفة } [البقرة: 30] { { ويا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض } [ص: 26] وقوله { { فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناه ملكاً عظيماً } [النساء: 54] وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة وإجماعهم حجة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " "إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض" " وأيضاً فإن التمكين في الأرض على الإِطلاق لم يتفق فيما مضى فهو منتظر لأن الله عز اسمه لا يخلف وعده.