خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُ عَلَىٰ أَمْرٍ جَامِعٍ لَّمْ يَذْهَبُواْ حَتَّىٰ يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا ٱسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمُ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
٦٢
لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
٦٣
أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمُ
٦٤
-النور

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: التسلل الخروج في خفية يقال تسلل فلان من بين أصحابه إذا خرج من جملتهم والسلة السرقة في الخفية وكذلك الإسلال ومنه الحديث: " لا إغلال ولا إسلال" " واللواذ أن يستتر بشيء مخافة من يراه. وقيل: اللواذ الاعتصام بالشيء بأن يدور معه حيث دار من قولهم لاذ به. وقال الزجاج: الملاوذة المخالفة ههنا بدلالة قوله { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } ويقال خالفه إلى الأمر إذا ذهب إليه دونه ومنه قوله وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهيكم عنه وخالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه.
الإِعراب: لو إذا مصدر وضع موضع الحال والتقدير يتسللون منكم ملاوذين يخالفون عن أمره أي يخالفون الله عن أمره بمعنى يجاوزون أمره. ويوم يرجعون يوم منصوب بالعطف على محذوف وهو ظرف زمان والتقدير أَنتم تثبتون عليه الآن ويوم يرجعون إليه خرج من الخطاب إلى الغيبة.
المعنى: لمّا تقدَّم ذكر المعاشرة مع الأقرباء والمسلمين بيَّن سبحانه في هذه الآية كيفية المعاشرة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله } أَي ليس المؤمنون على الحقيقة إلا الذين صدقوا بتوحيد الله وعدله وأَقرّوا بصدق رسوله { وإذا كانوا معه } أي مع رسوله { على أمر جامع } وهو الذي يقتضي الإِجماع عليه والتعاون فيه من حضور حرب أو مشورة في أمر أو صلاة جمعة أو ما أشبه ذلك { لم يذهبوا حتى يستأذنوه } أي لم ينصرفوا عن الرسول أو عن ذلك الأمر إلا بعد أن يطلبوا الإذن منه في الانصراف.
{ إن الذين يستأذنونك } يا محمد { أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } أَي فهم الذين يصدقون بالله ورسوله على الحقيقة دون الذين ينصرفون بلا استئذان { فإذا استأذنوك لبعض شأنهم } أي متى ما استأذنك هؤلاء المؤمنون أن يذهبوا البعض مهماتهم وحاجاتهم { فأذن لمن شئت منهم } خيَّر سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم بين أن يأذن وأن لا يأذن وهكذا حكم من قام مقامه من الأئمة { واستغفر لهم الله } أي واطلب المغفرة لهم من الله بخروجهم من جملة من معك واستغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم هو دعاؤه لهم باللطف الذي تقع معه المغفرة { إن الله غفور } للمؤمنين أي ساتر لذنوبهم { رحيم } بهم أي منعم عليهم.
ثم أمر سبحانه جميع المكلفين فقال { لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً } اختلف في تأويله على وجوه أحدها: أنه سبحانه علَّمهم تفخيم النبي صلى الله عليه وسلم في المخاطبة وأعلمهم فضله فيه على سائر البرية والمعنى لا تقولوا له عند دعائه يا محمد أو يا ابن عبد الله ولكن قولوا يا رسول الله يا نبي الله في لين وتواضع وخفض صوت عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وثانيها: أنه نهى عن التعرض لدعاء رسوله عليهم فالمعنى احذروا دعاءه عليكم إذا أسخطتموه فإن دعاءه موجب مجاب بغير شك وليس كدعاء غيره عن ابن عباس في رواية أخرى وثالثها: أن المعنى ليس الذي يأمركم به الرسول ويدعوكم إليه كما يدعو بعضكم بعضاً لأن في القعود عن أمره قعوداً عن أمر الله تعالى عن أبي مسلم.
{ قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذاً }. قال ابن عباس هو أن: يلوذ بغيره فيهرب وذلك أن المنافقين كان يثقل عليهم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فيلوذون ببعض أصحابه فيخرجون من المسجد في استتار من غير استئذان وفيه معنى التهديد بالمجازاة. وقال مجاهد: كانوا يتسللون في الجهاد رجوعاً عنه. وقيل: معناه يستترون ويستخفون تقية والتجاء { فليحذر الذين يخالفون عن أمره } حذرهم سبحانه عن مخالفة نبيه صلى الله عليه وسلم أي فيحذر الذين يعرضون عن أمر الله تعالى وإنما دخلت عن لهذا المعنى. وقيل: عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم { أن تصيبهم فتنة } أي بلية تظهر ما في قلوبهم من النفاق. وقيل: عقوبة في الدنيا { أو يصيبهم عذاب أليم } في الآخرة وفي هذا دلالة على أن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم على الإِيجاب لأنها لو لم تكن كذلك لما حذر سبحانه عن مخالفته.
ثم عظم سبحانه نفسه بأن قال { ألا إن لله ما في السماوات والأرض } أي له التصرف في جميع ذلك ولا يجوز لأحد الاعتراض عليه ولا مخالفة أمره فليس للعبد أن يخالف أمر مالكه { قد يعلم ما أنتم عليه } من الخيرات والمعاصي ومن الإِيمان والنفاق لا يخفى عليه شيء من أحوالكم { ويوم يرجعون إليه } يعني يوم البعث يعلمه الله سبحانه متى هو { فينبّئهم بما عملوا } من الخير والشر والطاعات والمعاصي { والله بكل شيء } من أعمالهم وغيرها { عليم } معناه يردّون إليه للجزاء فيجازي كُلاً على قدر عمله من الثواب والعقاب.