خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً
٤١
إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً
٤٢
أَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً
٤٣
أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً
٤٤
أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً
٤٥
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً
٤٦
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً
٤٧
وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً
٤٨
لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً
٤٩
وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً
٥٠
-الفرقان

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ البرجمي نَسقيه بفتح النون والباقون نُسقيه بضم النون وفي الشواذ قراءة الأعرج من اتخذ الأُلاهة هواه وقراءة ابن السميفع الرياح بشرى.
الحجة: قد مضى الفرق بين نسقي ونُسقى فيما تقدَّم والأُلاهة الشمس. وقيل: أُلهة بالضم غير مصروفة وأنشد:

تَرَوَّحْنَا مِنَ اللَّعْبَاءِ عَصْراً وَأَعْجَلْنَا الأُلاهَةَ أنْ تؤوبـا

ويروى وأعجلنا الالإهة ومن قرأ وألهتك فمعناه وعبادتك وقد يجوز أن يكون أراد هذه المعرفة فأضافها إليه لعبادته لها فيكون كقولك ويذرك وشمسك أي والشمس التي تعبدها ومن قرأ بشرى فهو مصدر وضع موضع الحال أي مبشرة كقولهم هلم جرا أي جاراً أو منجراً ويأتينك سعياً وقد ذكرنا الاختلاف بين القراء فيه وما لهم من الاحتجاج في كل وجه منه في سورة الأعراف وذكرنا اختلافهم في ليذكروا في سورة بني إسرائيل.
اللغة: القبض جمع الأجزاء المنبسطة واليسير السهل القريب واليسير أيضاً نقيض العسير وأيسر الرجل ملك من المال ما تتيسّر به الأمور عليه. وقيل: اليد اليسرى لأنه يتيسر بها العمل مع اليمنى وتياسر أخذ في جهة اليد اليسرى والسبات قطع العمل ومنه سَبَت رأسه سبتاً إذا حلقه ومنه يوم السبت وهو يوم قطع العمل، والنشر خلاف الطيّ وأناسي جمع إنسان جعلت الياء عوضاً من النون وقد قالوا أيضاً أناسين وقد يجوز أيضاً أن يكون جمع أنسي فيكون مثل كرسي وكراسي.
الإعراب: أهذا الذي بعث الله رسولاً العائد من الصلة إلى الموصول محذوف لطول الكلام أي بعثه الله رسولاً منصوب على الحال من الهاء المحذوفة وإن كان ليضلنا إنْ مخففة واسمه محذوف تقديره إنه كان وهو ضمير الأمر والشأن واللام في ليضلنا لام التأكيد التي تقع في خبر إن كيف مدَّ الظل كيف في محل النصب على الحال من الضمير المستكن في مَدَّ والتقدير أمبدعاً مدَّ الظل أم لا ويجوز أن يكون في موضع المصدر والتقدير أي مد مد الظل. وقال الزجاج: الأجود أن يكون "ألم تر" من رؤية القلب ويجوز أن يكون من رؤية العين وبشراً نصب على الحال في الوجوه كلها من الرياح والعامل فيه أرسل. مما خلقنا الجار والمجرور في موضع نصب على الحال.
المعنى: ثم حكى سبحانه عن الكفار الذين وصفهم فيما تقدم فقال { وإذا رأوك } أي وإذا شاهدوك يا محمد { إن يتخذونك إلا هزواً } أي ما يتخذونك إلا مهزّواً به والمعنى أنهم يستهزؤون بك ويستصغرونك ويقولون على وجه السخرية { أهذا الذي بعث الله رسولاً } أي بعثه الله إلينا رسولاً { إن كاد ليضلنا عن آلهتنا }. قال ابن عباس: معناه لقد كاد يصرفنا عن عبادة آلهتنا وتأويله قد قارب أن يأخذ بنا في غير جهة عبادة آلهتنا على وجه يؤدي إلى هلاكنا فإن الإضلال الأخذ بالشيء إلى طريق الهلاك { لولا أن صبرنا عليها } أي على عبادتها لأزَّلنا عن ذلك وحذف الجواب لدلالة الكلام عليه فقال سبحانه متوعداً لهم { وسوف يعلمون حين يرون العذاب } الذي ينزل بهم في الآخرة عياناً { من أضل سبيلاً } أي من أخطأ طريقاً عن الهدى أهم أم المؤمنون.
ثم عجَّب سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم من نهاية جهلهم فقال { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } أي من جعل إلهه ما يهواه وهو غاية الجهل وكان الرجل من المشركين يعبد الحجر والصنم فإذا رأى أحسن منه رمى به وأخذه يعبد الآخر عن سعيد بن جبير. وقيل: معناه أرأيت من ترك عبادة خالقه وإلهه هو حجر فعبده ما حاله عندك عن عطاء عن ابن عباس. وقيل: من أطاع هواه واتبعه فهو كالإله له وترك الحق عن القتيبي { أفأنت تكون عليه وكيلاً } أي أفأنت كفيل حافظ يحفظه من اتباع هواه وعبادة ما يهواه من دون الله أي لست كذلك. وقيل: معناه أتقدر أنت يا محمد أن تهديه إذا لم يتدبَّر ولم يتفكر أي لا تقدر على ذلك لأن الوكيل هو الكافي للشيء ولا يكون كذلك إلا وهو قادر عليه.
ثم قال للنبي صلى الله عليه وسلم { أم تحسب } يا محمد { أن أكثرهم يسمعون } ما تقوله سماع طالب للإفهام { أو يعقلون } ما تقوله لهم وتقرأ عليهم وما يعاينونه من المعجزات والحجج أي لا تظن ذلك { إن هم إلا كالأنعام } أي ما هم إلا كالبهائم التي تسمع النداء ولا تعقل { بل هم أضل سبيلاً } من الأنعام لأنهم مكّنوا من المعرفة فلم يعرفوا والأنعام لم يمكنوا منها ولأن الأنعام ألهمت منافعها ومضارها فهي لا تفعل ما يضرّها وهؤلاء عرفوا طريق الهلاك والنجاة وسعوا في هلاك أنفسهم وتجنَّبوا سبيل نجاتهم فهم أضلُّ منها.
ثم نبَّه سبحانه على النظر فيما يدل على وحدانيته وكمال قدرته فقال { ألم تر } الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به سائر المكلفين { إلى ربك كيف مد الظل } أي ألم تر إلى فعل ربك ثم حذف المضاف عن مقاتل. وقيل: معناه ألم تعلم فيكون من رؤية القلب عن الزجاج وذكر أن هذا على القلب وتقديره ألم تر إلى الظل كيف مدَّه ربك يعني الظل من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس عن ابن عباس والضحاك وسعيد بن جبير وجعله ممدوداً لأنه لا شمس معه كما قيل في ظل الجنة ممدوداً إذ لم تكن معه الشمس. وقال أبو عبيدة: الظل ما نسخته الشمس وهو بالغداة والفيء ما نسخ الشمس وهو بعد زوال الشمس وسمي فيئاً لأنه فاء من جانب المشرق إلى جانب المغرب. وقيل: مدَّ الظل من وقت غروب الشمس إلى وقت طلوعها فيكون الظل بالليل لأنه ظل الأرض عن الجبائي والبلخي.
{ ولو شاء لجعله ساكناً } أي مقيماً دائماً لا يزول ولا تنسخه الشمس يقال فلان يسكن بلد كذا إذا أقام به فهو مثل قول سبحانه
{ { قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمداً إلى يوم القيامة } [القصص: 71] الآية في المعنى وفي هذا إشارة إلى أنه قادر على تسكين الشمس حتى يبقى الظل ممدوداً بخلاف ما يقوله الفلاسفة { ثم جعلنا الشمس عليه } أي على الظل { دليلاً }. قال ابن عباس: تدل الشمس على الظل بمعنى أنه لولا الشمس لما عرف الظل ولولا النور لما عرفت الظلمة وكل الأشياء تعرف بأضدادها. وقيل: معناه ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً بإذهابها إياه عند مجيئها عن ابن زيد. وقيل: لأن الظل يتبع الشمس في طوله وقصره كما يتبع السائر الدليل فإذا ارتفعت الشمس قصر الظل وإذا انحطت الشمس طال الظل. وقيل: إن على هنا بمعنى مع فالمعنى ثم جعلنا الشمس مع الظل دليلاً على وحدانيتنا.
{ ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً } أي قبضنا الظل بارتفاع الشمس لأن الشمس كلما تعلو ينقص الظل فجعل سبحانه ذلك قبضاً وأخبر أن ذلك يسير بمعنى أنه سهل عليه لا يعجزه. قال الكلبي: إذا طلعت الشمس قبض الله الظل قبضاً خفياً والمعنى ثم جمعنا أجزاء الظل المنبسط بتسليط الشمس عليه حتى ننسخها شيئاً فشيئاً. وقيل: معناه ثم قبضنا الظل بغروب الشمس إلينا أي إلى الموضع الذي حكمنا بكون الظل فيه. قبضاً يسيراً أي خفياً وإنما قيل ذلك لأن الظل لا يذهب بغروب الشمس دفعة بل يذهب جزءاً فجزءاً بحدوث الظلام فكلما حدث جزء من الظلام نقص جزء من الظل.
{ وهو الذي جعل لكم الليل لباساً } أي غطاء ساتراً للأشياء بالظلام كاللباس الذي يشتمل على لابسه فالله سبحانه ألبسنا الليل وغشانا به لنسكن ونستريح من كدّ الأعمال كما قال في موضع آخر
{ { لتسكنوا فيه } [القصص: 73] { والنوم سباتاً } أي راحة لأبدانكم وقطعاً لأعمالكم. قال الزجاج: السبات أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه { وجعل النهار نشوراً } لانتشار الروح باليقظة فيه مأخوذ من نشور البعث. وقيل: لأن الناس ينتشرون فيه لطلب حوائجهم ومعايشهم فيكون النشور هنا بمعنى التفرق لابتغاء الرزق عن ابن عباس.
{ وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته } مضى الكلام فيه في سورة الأعراف { وأنزلنا من السماء ماء طهوراً } أي طاهراً في نفسه ومطهّراً لغيره مزيلاً للأحداث والنجاسات.
{ لنحيي به بلدة ميتاً } قد مات بالجدب وأراد بالبلدة البلد أو المكان فلذلك قال ميتاً بالتذكير والمعنى لنحيي بالمطر بلدة ليس فيها نبت. قال ابن عباس: لنخرج به النبات والثمار { ونسقيه مما خلقنا أنعاماً } أي ولنسقي من ذلك الماء أنعاماً جمة أو نجعله سقياً لأنعام { وأناسي كثيراً } أي أناساً كثيرة.
{ ولقد صرفناه } أي صرفنا المطر بينهم يدور في جهات الأرض. وقيل: قسمناه بينهم يعني المطر فلا يدوم على مكان فيهلك ولا ينقطع عن مكان فيهلك ويزيد لقوم وينقص لآخرين على حسب المصلحة { ليذكروا } أي ليتفكروا ويستدلّوا به على سعة مقدورنا ولأنه لا يستحق العبادة غيرنا { فأبى أكثر الناس إلا كفوراً } أي جحوداً لما عددناه من النعم وإنكاراً فيقولون مطرنا بنوء كذا وكذا عن عكرمة. وقيل: فأبوا إلا كفوراً بالبعث والنشور.