خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ
١٢٣
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتَّقُونَ
١٢٤
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
١٢٥
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٢٦
وَمَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
١٢٧
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ
١٢٨
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ
١٢٩
وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ
١٣٠
فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ
١٣١
وَٱتَّقُواْ ٱلَّذِيۤ أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ
١٣٢
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ
١٣٣
وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ
١٣٤
إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ
١٣٥
قَالُواْ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِّنَ ٱلْوَاعِظِينَ
١٣٦
إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ خُلُقُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣٧
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
١٣٨
فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ
١٣٩
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ
١٤٠
-الشعراء

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير وأهل البصرة وأبو جعفر والكسائي خلق الأولين بفتح الخاء والباقون بضم الخاء واللام وفي الشواذ قراءة قتادة تُخلِدون بضم التاء وكسر اللام.
الحجة: قال أبو علي: خلق الأولين عادتهم وخلق الأولين اختلافهم وكذبهم مثل قوله
{ { وتخلقون إفكاً } [العنكبوت: 17] و { { إن هذا إلا اختلاق } [ص: 7] وخلد الشيء إذا بقي وأخلدته وخَلَّدْته وأخلد إلى كذا إذا أقام عليه ولزمه. وقيل: أخلد إذا أبطأ عنه الشيب.
اللغة: الريع الارتفاع من الأرض وجمعه أرياع وريعة قال ذو الرمة:

طِراقُ الْخَوافِي مُشْرِفاً فَوْقَ ريعَةٍ نَــدى لَيْـــلِهِ فــي رِيشِـهِ يَتَرَقْرَقُ

ومنه الريع في الطعام وهو ارتفاعه بالزيادة والنماء. وقال أبو عبيدة: الريع الطريق بين الجبلين في الارتفاع. وقيل: هو الفج الواسع والمصانع مأخذ الماء جمع مصنع. قال أبو عبيدة: كل بناء مصنعة وقال قتادة ومجاهد المصانع هي القصور والحصون، والبطش العسف قتلاً بالسيف وضرباً بالسوط، والجبار العالي على غيره بعظيم سلطانه وهو في صفة الله سبحانه مدح وفي صفة غيره ذمٌّ لأن معناه في العبد أنه يتكلف الجبرية.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن عاد فقال { كذبت عاد المرسلين } والتأنيث لمعنى القبيلة لأنه أراد بعاد القبيلة { إذ قال لهم أخوهم } في النسب { هود ألا تتقون } الله باجتناب معاصيه { إني لكم رسول أمين } إلى قوله { رب العالمين } مرَّ تفسيره.
{ أتبنون بكل ريع } أي بكل مكان مرتفع. وقيل: بكل شرف عن ابن عباس. وقيل: بكل طريق عن الكلبي والضحاك { آية تعبثون } أي بناء لا تحتاجون إليه لسكناكم وإنما تريدون العبث بذلك واللعب واللهو كأنه جعل بناهم ما يستغنون عنه عبثاً منهم عن ابن عباس في رواية عطاء ويؤيده الخبر المأثور عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فرأى قبة مشرفة فقال: "ما هذه" قال له أصحابه هذا الرجل من الأنصار فمكث حتى إذا جاء صاحبها فسلم على الناس أعرض عنه وصنع ذلك به مراراً حتى عرف الرجل الغضب والإِعراض عنه فشكا ذلك إلى أصحابه. وقال والله إني لأنكر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري ما حدث فيَّ وما صنعت قالوا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى قبتك فقال: لمن هذه فأخبرناه فرجع إلى قبته فسوّاها بالأرض فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فلم ير القبة فقال:
"ما فعلت القبة التي كانت ههنا" قالوا شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه فأخبرناه فهدمها فقال: "إن لكل بناء يبنى وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بدَّ منه" .
وقيل: معناه أنهم كانوا يبنون بالمواضع المرتفعة ليشرفوا على المارة والسائلة فيسخروا منهم ويعبثوا بهم عن الكلبي والضحاك. وقيل: إن هذا في بنيان الحمام أنكر هود عليهم اتخاذهم بروجاً للحمام عبثاً عن سعيد بن جبير ومجاهد.
{ وتتخذون مصانع } أي حصوناً وقصوراً مشيدة عن مجاهد. وقيل: مأخذاً للماء تحت الأرض عن قتادة { لعلكم تخلدون } كأنكم تخلدون فيها فلا تموتون فإن هذه الأبنية بناء من يطمع في الخلود. قال الزجاج: معناه تتخذون مباني للخلود لا تتفكرون في الموت { وإذا بطشتم بطشتم جبارين } البطش الأخذ باليد أي إذا بطشتم بأحد تريدون إنزال عقوبة به عاقبتموه عقوبة من يريد التجبر بارتكاب العظائم كما قال
{ إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض } [القصص: 19]. وقيل: معناه وإذا عاقبتم قتلتم فمعنى الجبار القتال على الغضب بغير حق.
{ فاتقوا الله وأطيعون } مرَّ معناه { واتقوا الذي أمدَّكم بما تعلمون } أي أعطاكم ما تعلمون من الخير. والإمداد اتباع الثاني ما قبله شيئاً بعد شيء على انتظام وهؤلاء أمدُّوا بأنواع من النعم وهو قوله { أمدَّكم بأنعام وبنين وجنات وعيون } فأعطاهم رزقهم على إدرار { إني أخاف عليكم } إن عصيتموني { عذاب يوم عظيم } يريد يوم القيامة وصفه بالعظم لما فيه من الأهوال العظيمة { قالوا سواء علينا أوعَظْتَ أم لم تكن من الواعظين } أي أنهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا عن الكلبي والمعنى إنا لا نقبل ما تدعونا إليه على كل حال أوعظت أم سكت أي حصول الوعظ منك وارتفاعه مستويان عندنا.
ثم قالوا { إن هذا إلا خلق الأولين } أي ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين الذين ادَّعوا النبوة ولم يكونوا أنبياء وأنت مثلهم ومن قرأ خلق الأولين بضم الخاء فالمعنى ما هذا الذي نحن عليه من تشييد الأبنية واتخاذ المصانع والبطش الشديد إلا عادة الأولين من قبلنا. وقيل: معناه ما هذا الذي نحن فيه إلا عادة الأولين في أنهم كانوا يحيون ويموتون ولا بعث ولا حساب. وقيل: معناه ما الذي تدّعيه من النبوة والرسالة إلا عادة الأولين.
{ وما نحن بمعذبين } على ما تدعيه لا في الدنيا ولا بعد الموت { فكذبوه فأهلكناهم } بعذاب الاستئصال { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم } قد مرَّ تفسيره.