خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ
٣٦
وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ
٣٧
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ
٣٨
وَٱسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ
٣٩
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ
٤٠
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ
٤١
وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ
٤٢
-القصص

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ ابن كثير قال موسى بغير واو وكذلك هو في مصاحف مكة والباقون وقال بالواو وقرأ نافع وأهل الكوفة غير عاصم من يكون بالياء والباقون بالتاء وقرأ أهل الكوفة غير عاصم ويعقوب لا يرجعون بفتح الياء والباقون بضم الياء وفتح الجيم.
الحجة: قال أبو علي: قد مضى القول في نحو هذا فيما قبل وكذلك في نحو الياء والتاء من يكون وكلاهما حسن وكذلك قد مضى فيما تقدم القول في يُرجعون ويَرجعون.
اللغة: الصرح البناء العالي كالقصر وأصله من الظهور فالتصريح شدة ظهور المعنى قال الشاعر:>

بِهِــنَّ نَـامٌ بَنـاهَا الرِّجالُ تَحْسِبُ أعْلامَهُنَّ الصُّرُوحا

والنبذ الإلقاء والطرح والشيء منبوذ قال أبو الأسود:

نَظَــرْتُ إلـى عُنْوانِهِ فَنَبَذْتُهُ كَنَبْذِكَ نَعْلاً أخْلَقَتْ مِنْ نِعالِكا

والقبح الإبعاد قبحه الله أي أبعده يقبحه قبحاً ويقال قبحه إذا جعله قبيحاً. وقيل: قبحه فهو مقبوح أهلكه.
الإعراب: بينات نصب على الحال. ما سمعنا بهذا يحتمل أن تكون الباء زائدة ويحتمل أن تكون على أصلها وقوله { بغير الحق } الجار والمجرور في موضع نصب على الحال والتقدير واستكبر هو وجنوده مبطلين. ويدعون صفة الأئمة. ويوم القيامة ظرف لفعل يدل عليه قوله { من المقبوحين } على تقدير قبحوا يوم القيامة لأن الصلة لا تعمل فيما قبل الموصول والألف واللام في المقبوحين موصول وتقديره الذين قبحوا.
المعنى: ثم قال سبحانه { فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات } التقدير فمضى موسى إلى فرعون وقومه فلما جاءهم بآياتنا أي بحججنا البينات ومعجزاتنا الظاهرات { قالوا ما هذا إلا سحر مفترى } أي مختلق مفتعل لم يُبنَ على أصل صحيح لأنه حيلة توهم خلاف الحقيقة فوصفوا الآيات بالسحر والاختلاق على هذا المعنى جهلاً منهم وذهاباً عن الصواب { وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين } أي لم نسمع ما يدعيه ويدعو إليه في آبائنا الذين كانوا قبلنا وإنما قالوا ذلك مع اشتهار قصة نوح وهود وصالح وغيرهم من النبيين الذين دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته لأحد أمرين إما للفترة التي دخلت بين الوقتين والزمان الطويل وإما لأن آباءهم ما صدقوا بشيء من ذلك ولا دانوا به فيكون المعنى ما سمعناه بآبائنا أنهم صدقوا الرسل فيما جاؤوا به ووجه شبهتهم في ذلك أنهم قالوا إنهم الكبراء فلو كان حقاً لأدركوه فإنه لا يجوز أن يدرك الحق الأنقص في الرأي والعقل ولا يدركه الأفضل فيهما وهذا غلط لأن ما طريقه الاستدلال لا يمتنع أن يصيبه الأدون في الرأي إذا سلك طريقه ولا يصيبه الأكمل في الرأي إذا لم يسلك طريقه.
{ وقال موسى } مجيباً لهم { ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار } ومعناه ربي يعلم إني جئت بهذه الآيات الدالة على الهدى من عنده فهو شاهد لي على ذلك إن كذبتموني ويعلم أن العاقبة الحميدة لنا ولأهل الحق والإنصاف وهذا كما يقال على سبيل المظاهرة الله أعلم بالمحق منا والمبطل وحجتي ظاهرة فأكثرها إن قدرت على ذلك { إنه لا يفلح الظالمون } أي لا يفوز بالخير من ظلم نفسه وعصى ربه وكفر نعمه.
{ وقال فرعون } منكراً لما أتى به موسى من آيات الله لما أعياه الجواب وعجز عن محاجته { يا أيها الملأ } يريد أشراف قومه { ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين } أي فأجج النار على الطين واتخذ الآجر. وقيل: أنه أول من اتخذ الآجر وبنى به عن قتادة { فاجعل لي صرحاً } أي قصراً وبناء عالياً { لعلي أطلع إلى إله موسى } أي أصعد إليه وأشرف عليه وأقف على حاله وهذا تلبيس من فرعون وإيهام على العوام أن الذي يدعو إليه موسى يجري مجراه في الحاجة إلى المكان والجهة { وإني لأظنه من الكاذبين } في إدعائه إلهاً غيري وأنه رسوله.
{ واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق } أي رفع فرعون وجنوده أنفسهم في الأرض فوق مقدارها بالباطل والظلم وأنفوا وتعظموا عن قبول الحق في اتباع موسى { وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون } أي أنكروا البعث وشكُّوا فيه.
{ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم } أي فعاقبناهم وطرحناهم في البحر وأهلكناهم بالغرق وعنى باليم نيل مصر. وقيل: بحر من وراء مصر يقال له أساف غرقهم الله فيه { فانظر كيف كان عاقبة الظالمين } أي تفكَّر وتدبَّر وانظر بعين قلبك كيف أخرجناهم من ديارهم وأغرقناهم.
{ وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار } وهذا يحتاج إلى تأويل لأن ظاهره يوجب أنه تعالى جعلهم أئمة يدعون إلى النار كما جعل الأنبياء أئمة يدعون إلى الجنة وهذا ما لا يقول به أحد فالمعنى أنه أخبر عن حالهم بذلك وحكم بأنهم كذلك وقد تحصل الإضافة على هذا الوجه بالتعارف ويجوز أن يكون أراد بذلك أنه لما أظهر حالهم على لسان أنبيائه حتى عرفوا فكأنه جعلهم كذلك ومعنى دعائهم إلى النار أنهم يدعون إلى الأفعال التي يستحقُّ بها دخول النار من الكفر والمعاصي { ويوم القيامة لا ينصرون } أي لا ينظر بعضهم لبعض ولا ينصرهم غيرهم يوم القيامة كما كانوا يتناصرون في الدنيا.
{ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة } أي أردفناهم لعنة بعد لعنة وهي البعد عن الرحمة والخيرات. وقيل: معناه ألزمناهم اللعنة في هذه الدنيا بان أمرنا المؤمنين بلعنهم فلعنوهم عن أبي عبيدة { ويوم القيامة هم من المقبوحين } أي من المهلكين عن الأخفش. وقيل: من المشوهين في الخلقة بسواد الوجوه وزرقة الأعين عن الكلبي عن ابن عباس. وقيل: من الممقوتين المفضوحين.