خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

الۤـمۤ
١
أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ
٢
وَلَقَدْ فَتَنَّا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْكَاذِبِينَ
٣
أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٤
مَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لآتٍ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٥
-العنكبوت

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ علي (ع) فليُعْلِمن الذين صدقوا وليُعْلِمن الكاذبين بضم الياء وكسر اللام فيهما وهو المروي عن جعفر بن محمد ومحمد بن عبد الله بن الحسن ووافقهم الزهري في وليعلمن الكاذبين وقرأ أيضاً وليعلمن المنافقين.
الحجة: معناه ليعرفن الناس من هم فحذف المفعول الأول كما قال سبحانه
{ { يوم ندعو كل أناس بإمامهم } [الإسراء: 71] وقال { يعرف المجرمون بسيماهم } [الرحمن: 41] وقال { ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً } [طه: 102] ويجوز أن يكون من قولهم ثوب معلم وفارس معلم بالكسر إذا أعلم نفسه في الحرب فيكون معناه وليشهرن فيرجع إلى المعنى الأول لأنه على تقدير حذف المفعول ويجوز أن يكون على حذف المفعول الثاني أي وليعلمن الصادقين ثواب صدقهم والكاذبين عقاب كذبهم.
الإعراب: قال الزجاج: موضع أنْ الأولى نصب باسم حسب وخبره وموضع أنْ الثانية نصب من جهتين أجودهما أن تكون منصوبة بيتركوا فيكون المعنى { أحسب الناس أن يتركوا } لأن يقولوا أو بأن يقولوا فلما حذف حرف الخفض وصل يتركوا إلى أن فنصب ويجوز أن تكون أن الثانية العامل فيها حسب أي حسب الناس أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. قال أبو علي: أما ما ذكره من أنه نصب بيتركوا فإنه بين السقوط لأن ترك فعل يتعدى إلى مفعول واحد فإذا بني للمفعول لم يتعد إلى آخر فإن يقولوا لا يتعلق به ولا يتعدى إليه حتى يقدَّر حرف ثم يقدر الحذف فيصل الفعل وأما ما ذكره من انتصابه فلا يخلو إذا قدر انتصابه به من أن يكون مفعولاً أولاً أو ثانياً أو صفة أو بدلاً فلا يكون مفعولاً أولاً لتعديه إلى المفعول الذي قبله وهو الترك ولا يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً من وجهين:
أحدهما: أن باب ظننت وأخواته إذا تعدى إلى هذا الضرب من المفعول لم يتعدّ إلى مفعول ثان ظاهر في اللفظ.
والآخر: أن المفعول الثاني هو الأول في المعنى وليس القول الترك ولا يكون أيضاً بدلاً لأنه ليس الأول ولا بعضه مشتملاً عليه ولا يكون أيضاً صفة لأن أن الثانية لحسب وعمله فيها لا يخلو مما ذكرناه فإذا لم يستقم حمله على شيء مما ذكرناه تبينت موضع إغفاله في المسألة.
وأقول وبالله التوفيق إن البدل هنا صحيح فإنه إذا قال: أحسبوا أن يقولوا آمنا { وهم لا يفتنون } وقوله وهم لا يفتنون جملة في موضع الحال فكأنه قال: أحسبوا أن يدعوا الإيمان غير مختبرين ممتحنين بمشاق التكليف فيكون التقدير في معنى الآية أحسبوا أن يتركوا أحسبوا أن يهملوا ولا شك أن الإهمال في معنى الترك فيكون الثاني في معنى الأول بعينه وأما الوجه الأول فإنك لو قدرت اللام فقلت: لأن يقولوا أو الباء فقلت: بأن يقولوا فلا شك أن الحرف يتعلق بيتركوا فإن الجار والمجرور في موضع نصب به فتساهل الزجاج في العبارة عن المجرور بأنه منصوب وقوله { ساء ما يحكمون } ما هذه يحتمل وجهين.
أحدهما: أن يكون اسماً مفرداً نكرة في موضع النصب على التمييز والتقدير ساء حكماً يحكمون.
والثاني: أن يكون حرفاً موصولاً ويحكمون صلته وتقديره ساء الحكم حكمهم.
النزول: قيل نزلت الآية في عمار بن ياسر وكان يعذب في الله عن ابن جريج. وقيل: نزلت في أناس مسلمين كانوا بمكة فكتب إليهم من كان في المدينة أنه لا يقبل منكم الإقرار بالإسلام حتى تهاجروا فخرجوا إلى المدينة فاتبعهم المشركون فآذوهم وقاتلوهم فمنهم من قتل ومنهم من نجا عن الشعبي. وقيل: إنه أراد بالناس الذين آمنوا بمكة سلمة بن هشام وعياش ابن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وعمار بن ياسر وغيرهم عن ابن عباس.
المعنى: { آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } أي أظن الناس أن يقنع منهم بأن يقولوا إنا مؤمنون فقط ويقتصر منهم على هذا القدر ولا يمتحنون بما تبيَّن به حقيقة إيمانهم هذا لا يكون وهذا استفهام إنكار وتوبيخ. وقيل: إن معنى يفتنون يبتلون في أنفسهم وأموالهم عن مجاهد وهو المروي عن أبي عبد الله (ع) يكون المعنى ولا يشدَّد عليهم التكليف والتعبد ولا يؤمرون ولا ينهون. وقيل: معناه ولا يصابون بشدائد الدنيا ومصائبها أي أنها لا تندفع بقولهم آمنا.
وقال الحسن: معناه أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا لا إله إلا الله ولا يختبروا أصدقوا أم كذبوا يعني أن مجرد الإقرار لا يكفي والأولى حمله على الجميع إذ لا تنافي فإن المؤمن يكلف بعد الإيمان بالشرائع ويمتحن في النفس والمال ويمنى بالشدائد والهموم والمكاره فينبغي أن يوطن نفسه على هذه الفتنة ليكون الأمر أيسر عليه إذا نزل به.
ثم أقسم سبحانه فقال { ولقد فتنّا الذين من قبلهم } أي ولقد ابتلينا الذين من قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم من سالف الأمم بالفرائض التي افترضناها عليهم أو بالشدائد والمصائب على حسب اختلافهم وذكر ذلك تسلية للمؤمنين قال ابن عباس: منهم إبراهيم خليل الرحمن وقوم كانوا معه ومن بعده نشروا بالمناشير على دين الله فلم يرجعوا عنه. وقال غيره: يعني بني إسرائيل ابتلوا بفرعون يسومونهم سوء العذاب { فليعلمن الله الذين صدقوا } في إيمانهم { وليعلمن الكاذبين } فيه. وإنما قال: فليعلمن مع أن الله سبحانه كان عالماً فيما لم يزل بأن المعلوم سيحدث لأنه لا يصح وصفه سبحانه فيما لم يزل بأنه عالم بأنه حادث وإنما يعلمه حادثاً إذا حدث. وقيل: معناه فليميزن الله الذين صدقوا من الذين كذبوا بالجزاء والمكافاة وعبّر عن الجزاء والتمييز بالعلم لأن كل ذلك إنما يحصل بالعلم فأقام السبب مقام المسبب ومثله في إقامة السبب مقام المسبب قوله تعالى
{ كانا يأكلان الطعام } [المائدة: 75] فهذا سبب قضاء الحاجة فكنّى بذكره عنها ومعنى صدقوا أي ثبتوا على الشدائد وكذبوا أي لم يثبتوا ومنه قول زهير:

إذا ما اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أقْرَانِهِ صَدَقا

{ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا } أم هذه استفهام منقطع عما قبله وليست التي هي معادلة الهمزة والمعنى بل أحسب الذين يفعلون الكفر والقبائح أن يفوتونا فوت السابق لغيره ويعجزونا فلا نقدر على أخذهم والانتقام منهم { ساء ما يحكمون } أي بئس الشيء الذي يحكمون ظنّهم أنهم يفوتوننا وروى العياشي بالإسناد عن أبي الحسن (ع) قال: جاء العباس إلى أمير المؤمنين (ع) فقال له: أمش حتى نبايع لك الناس. فقال: أتراهم فاعلين. قال: نعم فأين قول الله ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا الآيات { من كان يرجو لقاء الله } أي من كان يأمل لقاء ثواب الله. وقيل: معناه من كان يخاف عقاب الله عن سعيد بن جبير والسدي والرجاء قد يكون بمعنى الخوف كما في قول الشاعر:

إذا لَسَعَتْهُ النَّحْلُ لَمْ يَرْجُ لَسْعَها وَخــالَفَها في بِيْتِ نُوبٍ عَواسِلِ

والمعنى من كان يخشى البعث ويخاف الجزاء والحساب أو يأمل الثواب فليبادر بالطاعة قبل أن يلحقه الأجل { فإن أجل الله لآت } أي الوقت الذي وقَّته الله للثواب والعقاب جاء لا محالة { وهو السميع } لأقوالكم { العليم } بما في ضمائركم.