خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّيۤ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٢٦
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ
٢٧
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ
٢٨
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ ٱلسَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ
٢٩
قَالَ رَبِّ ٱنصُرْنِي عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْمُفْسِدِينَ
٣٠
-العنكبوت

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ أهل الكوفة غير حفص { أئنكم لتأتون الفاحشة } أئنكم لتأتون الرجال بهمزتين فيهما وقرأ أبو عمرو بالاستفهام فيهما بهمزة ممدودة آنكم. وقرأ الباقون: إنكم لتأتون الفاحشة بكسر الهمزة من غير استفهام أئنكم لتأتون الرجال بالاستفهام إلا أن ابن كثير وورشاً ويعقوب قرؤوا بهمزة واحدة غير ممدودة وابن عامر وحفص بهمزتين وأهل المدينة غير ورش بهمزة واحدة ممدودة.
اللغة: هاجر القوم من دار إلى دار معناه تركوا الأولى للثانية. قال الأزهري: أصل المهاجرة خروج البدوي من البادية إلى المدن وتهجَّر أي تشبَّه بالمهاجرين ومنه حديث عمر هاجروا ولا تهجروا أي أخلصوا الهجرة لله. والنادي والندي المجلس: إذا اجتمعوا فيه وتنادى القوم اجتمعوا في النادي ودار الندوة دار قصي بن كلاب كانوا يجتمعون فيه للمشاورة تبركاً به والأصل من النداء لأن القوم ينادي بعضهم بعضاً.
المعنى: ثم عطف سبحانه على ما تقدَّم بأن قال { فآمن له لوط } أي فصدَّق بإبراهيم لوط وهو ابن أخته وكان إبراهيم خاله عن ابن عباس وابن زيد وجمهور المفسرين وهو أول من صدق بإبراهيم (ع) { وقال } إبراهيم { إني مهاجر إلى ربي } أي خارج من جملة الظالمين على جهة الهجر لهم لقبيح أعمالهم من حيث أمرني ربي. وقيل: معناه. قال لوط: إني مهاجر إلى ربي عن الجبائي وخرج إبراهيم (ع) ومعه لوط وامرأته سارة وكانت ابنة عمه من كوثى وهي قرية من سواد الكوفة إلى أرض الشام عن قتادة ومثل هذا هجرة المسلمين من مكة إلى أرض الحبشة أولاً ثم إلى المدينة ثانياً لأنهم هجروا ديارهم وأوطانهم بسبب أذى المشركين لهم { إنه هو العزيز } الذي لا يذلّ من نصره { الحكيم } الذي لا يضيع من حفظه.
{ ووهبنا له } أي لإِبراهيم من بعد إسماعيل { إسحاق ويعقوب } من وراء إسحاق { وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب } وذلك أن الله سبحانه لم يبعث نبياً من بعد إبراهيم إلا من صلبه فالتوراة والإِنجيل والزبور والفرقان كلها أنزلت على أولاده { وآتيناه أجره في الدنيا } وهو الذكر الحسن والولد الصالح عن ابن عباس. وقيل: هو رضى أهل الأديان به فكلهم يحبّونه ويتولونه عن قتادة. وقيل: هو أنه أري مكانه في الجنة عن السدي. وقال بعض المتأخرين: هو بقاء ضيافته عند قبره وليس ذلك لغيره من الأنبياء. قال البلخي: وفي هذا دلالة على أنه يجوز أن يثيب الله في دار التكليف ببعض الثواب.
{ وإنه في الآخرة لمن الصالحين } يعني أن إبراهيم مع ما أعطي من الأجر والثواب في الدنيا يحشره الله في جملة الصالحين العظيمي الأقدار مثل آدم ونوح.
{ ولوطاً إذ قال لقومه } أي وأرسلنا لوطاً ويجوز أن يريد واذكر لوطاً حين قال: لقومه { إنكم لتأتون الفاحشة } من قرأ بلفظ الاستفهام أراد به الإِنكار دون الاستعلام ومن قرأ أنكم على الخبر أراد أن لوطاً قال: ذلك لقومه منكراً لفعلهم لا مفيداً معلماً لهم لأنهم قد علموا ما فعلوه والفاحشة ها هنا ما كانوا يفعلونه من إتيان الذكران { ما سبقكم بها } أي بهذه الفاحشة { من أحد من العالمين } أي أحد من الخلائق.
ثم فسَّر الفاحشة بقوله { إنكم لتأتون الرجال } أي تنكحونهم { وتقطعون السبيل } قيل فيه وجوه.
أحدها: تقطعون سبيل الولد باختياركم الرجال على النساء.
وثانيها: إنكم تقطعون الناس عن الأسفار بإتيان هذه الفاحشة فإنهم كانوا يفعلون هذا الفعل بالمجتازين من ديارهم وكانوا يرمون ابن السبيل بالحجارة بالحذف فأيّهم أصابته كان أولى به ويأخذون ماله وينكحونه ويغرمونه ثلاثة دراهم وكان لهم قاض يقضي بذلك.
وثالثها: إنهم كانوا يقطعون الطريق على الناس كما يفعل قطاع الطريق في زماننا { وتأتون في ناديكم المنكر } قيل: فيه أيضاً وجوه:
أحدها: هو أنهم كانوا يتضارطون في مجالسهم من غير حشمة ولا حياء عن ابن عباس وروي عن الرضا (ع).
وثانيها: أنهم كانوا يأتون الرجال في مجالسهم يرى بعضهم بعضاً عن مجاهد.
وثالثها: كانت مجالسهم تشتمل على أنواع من المناكير والقبائح مثل الشتم والسخف والصفع والقمار وضرب المخراق وحذف الأحجار على من مرّ بهم وضرب المعازف والمزامير وكشف العورات واللواط. قال الزجاج: وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المناكير ولا أن يجتمعوا على المناهي ولما أنكر لوط على قومه ما كانوا يأتونه من الفضائح قالوا له استهزاء ائتنا بعذاب الله وذلك قوله { فما كان جواب قومه إلا أن قالوا أئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين } وعند ذلك { قال } لوط { رب انصرني على القوم المفسدين } الذين فعلوا المعاصي وارتكبوا القبائح وأفسدوا في الأرض.