خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ
٥٦
كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ
٥٧
وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ
٥٨
ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
٥٩
وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
٦٠
-العنكبوت

مجمع البيان في تفسير القرآن

القراءة: قرأ يرجعون بالياء يحيى عن أبي بكر وهشام والباقون بالتاء وقرأ أهل الكوفة غير عاصم لنثوينهم بالثاء والباقون لنبوئنهم بالباء.
الحجة: قال أبو علي: أما يرجعون بالياء فلأن الذي قبله على لفظ الغيبة وترجعون على أنه انتقل من الغيبة إلى الخطاب مثل إياك نعبد بعد قوله { الحمد لله } وحجة من قرأ لنبوئنهم بالباء قوله
{ { ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوء صدق } [يونس: 93] { { وإذ بوأنا لإِبراهيم مكان البيت } [الحج: 26] وتكون اللام هنا زائدة كزيادتها في قوله { ردف لكم } [النحل:72] ويجوز أن يكون بوأنا لدعاء إبراهيم (ع) ويكون المفعول محذوفاً أي بوأنا لدعائه ناساً مكان البيت ومن قرأ لنثوينهم فحجته قوله { { وما كنت ثاوياً في أهل مدين } [القصص: 45] أي مقيماً نازلاً فيهم قال الأعشى:

أثـْـوى وَقَصَّــرَ لَيْـــلَةً لِيُــــزَوّدا وَمَضَى وَأَخْلَفَ مِنْ قُتَيْلَةَ مَوْعِدا

وقال حسان:

ثوى في قريش بضع عشرة حجة

أي أقام فيهم فإذا تعدّى بحرف جرّ فزيدت عليه الهمزة وجب أن يتعدّى إلى المفعول الثاني بحرف جرّ وليس في الآية حرف جر. قال أبو الحسن: قرأ الأعمش لنثوينهم من الجنة غرفاً ولا يعجبني لأنك لا تقول أثويته الدار. قال أبو علي: ووجهه أنه كان في الأصل لنثوينهم من الجنة في غرف كما يقول لننزلنهم من الجنة في غرف وحذف الجار كما حذف من قولك:

أمرتك الخير فافعل ما أمرت به

ويقوي ذلك أن الغرف وإن كانت أماكن مختصة فقد أجريت المختصة من هذه الحروف مجرى غير المختص نحو قوله:

كَما عَسَلَ الطَّرِيقِ الثَّعْلَبُ

ونحو ذهبت الشام عند سيبويه.
الإعراب: { خالدين } نصب على الحال من الهاء والميم. { الذين صبروا } في موضع جر صفة للعالمين ويكون المخصوص بالمدح محذوفاً أي نعم أجر العاملين الصابرين المتوكلين أجرهم ويجوز أن يكون المضاف محذوفاً أي نعم أجر العاملين أجر الذين صبروا فحذف المخصوص بالمدح وأقام المضاف إليه مقامه. وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله. موضع كأين مرفوع. ومن دابة في موضع التبيين له. وقوله: { لا تحمل رزقها } صفة للمجرور ويكون قوله { الله } مبتدأ ويرزقها خبره والجملة خبر كأين.
النزول: قيل نزلت الآية الأولى في المستضعفين من المؤمنين بمكة أمروا بالهجرة عنها عن مقاتل والكلبي ونزل قوله: { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } في جماعة كانوا بمكة يؤذيهم المشركون فأمروا بالهجرة إلى المدينة فقالوا: كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا عقار ومن يطعمنا ومن يسقينا؟
المعنى: ثم بيَّن سبحانه أنه لا عذر لعباده في ترك طاعته فقال: { يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة } يبعد أقطارها فاهربوا من أرض يمنعكم أهلها من الإيمان والإخلاص في عبادتي وقال أبو عبد الله (ع): معناه إذا عصي الله في أرض أنت فيها فاخرج منها إلى غيرها. وقيل: معناه إن أرض الجنة واسعة عن الجبائي وأكثر المفسرين على القول الأول { فإياي فاعبدون } أي اعبدوني خالصاً ولا تطيعوا أحداً من خلقي في معصيتي وإياي منصوب بفعل مضمر يفسّره ما بعده وقد مرَّ بيانه. وقيل: إن دخول الفاء للجزاء والتقدير إن ضاق بكم موضع فاعبدوني ولا تعبدوا غيري { إن أرضي واسعة } أمر سبحانه المؤمنين إذا كانوا في بلد لا يلتئم فيه لهم أمر دينهم أن ينتقلوا عنه إلى غيره.
ثم خوَّفهم بالموت ليهون عليهم الهجرة فقال: { كل نفس ذائقة الموت } أي كل نفس أحياها الله بحياة خلقها فيه ذائقة مرارة الموت بأيّ أرض كان فلا تقيموا بدار الشرك خوفاً من الموت { ثم إلينا ترجعون } بعد الموت فنجازيكم بأعمالكم.
ثم ذكر سبحانه ثواب من هاجر فقال: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات } يعني المهاجرين: { لنبوئنهم } أي لننزلنَّهم { من الجنة غرفاً } أي علالي عاليات: { تجري من تحتها الأنهار }. قال ابن عباس: لنسكننهم غرف الدر والزبرجد والياقوت ولننزلنهم قصور الجنة { خالدين فيها } يبقون فيها ببقاء الله { نعم أجر العاملين } لله تلك الغرف.
ثم وصفهم فقال: { الذين صبروا } على دينهم فلم يتركوه لشدة نالتهم وأذى لحقهم وصبروا على مشاق الطاعات { وعلى ربهم يتوكلون } في مهمات أمورهم ومهاجرة دورهم ثم قال { وكأين من دابة لا تحمل رزقها } أي وكم من دابة لا يكون رزقها مدّخراً معداً عن الحسن. وقيل: معناه لا تطيق حمل رزقها لضعفها وتأكل بأفواهما عن مجاهد. وقيل: إن الحيوان أجمع من البهائم والطيور وغيرهما مما يدبُّ على وجه الأرض لا تدخر القوت لغدها إلا ابن آدم والنملة الفارة بل تأكل منه قدر كفايتها فقط عن ابن عباس { الله يرزقها وإياكم } أي يرزق تلك الدابة الضعيفة التي لا تقدر على حمل رزقها ويرزقكم أيضاً فلا تتركوا الهجرة بهذا السبب وعن عطاء عن
"ابن عمر. قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل بعض حيطان الأنصار فجعل يلتقط من التمر ويأكل فقال: يا بن عمر ما لك لا تأكل فقلت: لا أشتهيه يا رسول الله. قال: لكنّي أشتهيه وهذه صبح رابعة منذ لم أذق طعاماً ولو شئت لدعوت ربي فأعطاني مثل ملك كسرى وقيصر فكيف بك يا بن عمر إذا بقيت مع قوم يخبئون رزق سنتهم لضعف اليقين فوالله ما برحنا حتى نزلت هذه الآية { وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم }" : { وهو السميع العليم } أي السميع لأقوالكم عند مفارقة أوطانكم العليم بأحوالكم لا يخفى عليه شيء من سّركم وإعلانكم.