خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ ٱللَّهِ آنَآءَ ٱللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
١١٣
يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـٰئِكَ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ
١١٤
-آل عمران

مجمع البيان في تفسير القرآن

اللغة: قيل في واحد آناء قولان أحدهما: إنْيٌ مثل نِحْيٍّ والآخر إنًى مثل مِعًى قال الشاعر:

حُلوٌ وَمُرٌّ كَعطْفِ القَدْحِ مُرَّتُهُ بِكُـِّـل إِنْيٍ قَضاهُ اللَّيُلُ يَنْتَعِلُ

وحكى الأخفش أنو بالواو والمسارعة المبادرة وهي من السرعة والفرق بين السرعة والعجلة أن السرعة هي التقدم فيما يجوز أن يتقدم فيه وهي محمودة وضدها الإبطاء وهو مذموم والعجلة هي التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه وهي مذمومة وضدها الأناة وهي محمودة.
النزول: قيل سبب نزول هذه الآية أنه لما أسلم عبد الله بن سلام وجماعة قالت أحبار اليهود ما آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا شرارنا فأنزل الله { ليسوا سواءً } إلى قولـه { من الصالحين } عن ابن عباس وقتادة وابن جريج وقيل إنها نزلت في أربعين من أهل نجران واثنين وثلاثين من الحبشة وثمانية من الروم كانوا على عهد عيسى (ع) فصدّقوا بمحمد صلى الله عليه وسلم عن عطاء.
المعنى: { ليسوا سواء } اختلفوا في تقديره والقول الصحيح أن هذا وقف تام وقولـه { من أهل الكتاب } ابتداء كلام ومعناه ليس الذين ذكرنا من أهل الكتاب سواء أي ليس الذين آمنوا من أهل الكتاب { أمة قائمة } كعبد الله بن سلام وأصحابه والذين لم يؤمنوا سواء في الدرجة في والمنزلة ثم استأنف وبَيّن افتراقهم فقال { من أهل الكتاب أمة قائمة } فحصل بهذا بيان الافتراق وهذا كما لو أخبر القائل عن قوم بخبر فقال بنو فلان يعملون كذا وكذا ثم قال ليسوا سواء فإن منهم من يفعل كذا وكذا وكذلك لو ذم قبيلة بالبخل والجبن فقال غيره ليسوا سواء منهم الجواد ومنهم الشجاع فيكون منهم الجواد ومنهم الشجاع ابتداء كلام وقال أبو عبيدة هو على لغة أكلوني البراغيث ومثلـه قولـه تعالى
{ { ثم عموا وصمّوا كثير منهم } [المائدة: 71] وقال الشاعر:

رَأيْنَ الغَوانِي الشَّيْبَ لاحَ بِعارِضي فَأعْرَضْنَ عَنّي بِالخُدُودِ النَّواضِرِ

قال الزجاج والرماني وليس الأمر كما قال لأن ذكر أهل الكتاب قد جرى فأخبر الله أنهم غير متساويين ولأن هذه اللغة رديئة في القياس والاستعمال وقال الفراء المعنى منهم أمة قائمة وأمة غير قائمة اكتفاء بذكر أحد الفريقين كما قال أبو ذويب:

عَصَيْتُ إِلَيْها القَلْبَ إِني لأَمْرِها مُطِيعٌ فَما أَدْري أَرُشْدٌ طِلابُها

ولم يقل أم غيّ وقال آخر:

أواكَ فَلا أدْرِي أَهَمٌّ هَمَمْتَـــهُ وَذَوْالَـهم قِدْماً خاشِعٌ مُتَضائِلُ

ولم يقل أم غيره لأن حالـه في التغير ينبئ أن الـهم غيره أم غيره فعلى هذا يكون رفع أمة على معنى الفعل وتقديره لا يستوي أمة هادية وأمة ضالة القول الأول رفع بالابتداء وأنكر الزجاج هذا القول وقال ما بنا حاجة هنا إلى محذوف لأن ذكر الفريقين قد جرى في قولـه منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ثم قال ليسوا سواء ولا يحتاج إلى أن يُقّدر وأمة غير قائمة وقد تقدّم صفتهم في قولـه ويكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء.
وقولـه أمة قائمة فيه وجوه أحدها: أن معناها جماعة ثابتة على أمر الله عن ابن عباس وقتادة والربيع وثانيها: عادلة عن الحسن ومجاهد وابن جريج وثالثها: قائمة بطاعة الله عن السدي - ورابعها: أن التقدير ذو أمة قائمة أي ذو طريقة مستقيمة عن الزجاج وأنشد للنابغة:

وهل يأثمن ذو أمة وهو طائع

أي ذو طريقة من طرائق الدين قال علي بن عيسى وهذا القول ضعيف لأنه عدول عن الظاهر وحكم بالحذف من غير دلالة { يتلون آيات الله } يقرأون كتاب الله وهو القرآن { آناء الليل } ساعاته وأوقاته عن الحسن والربيع، وقيل يعني جوف الليل عن السدي، وقيل أراد به وقت صلاة العتمة لأن أهل الكتاب لا يصلونها يعني أنهم يصلون صلاة العتمة عن ابن مسعود وقيل أنه الصلاة ما بين المغرب والعشاء الآخرة عن الثوري وهي الساعة التي تسمى ساعة الغفلة.
{ وهم يسجدون } قيل أراد السجود المعروف في الصلاة فعلى هذا يكون معناه وهم مع ذلك يسجدون ويكون الواو العطف جملة على جملة وقيل معناه يصلون بغير السجود فعبر بالسجود عن الصلاة لأن السجود أبلغ الأركان في التواضع عن الزجاج والفراء والبلخي قالوا لأن القراءة لا تكون في السجود ولا في الركوع وعلى هذا يكون الواو للحال أي يتلون آيات الله بالليل في صلاتهم هو قول الجبائي أيضاً { يؤمنون بالله } أي بتوحيده وصفاته { واليوم الآخر } المتأخر عن الدنيا يعني البعث يوم القيامة { ويأمرون بالمعروف } بالإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم { وينهون عن المنكر } عن إنكار نبوته { ويسارعون في الخيرات } أي يبادرون إلى فعل الخيرات والطاعات خوف الفوات بالموت وقيل معناه يعملون الأعمال الصالحة غير متثاقلين فيها لعلمهم بجلالة موقعها وحسن عاقبتها.
{ وأولئك من الصالحين } أي من جملتهم وفي عدادهم وهذا نفي لقولـهم ما آمن به إلا شرارنا وفي هذه الآية دلالة على عظم موقع صلاة الليل من الله تعالى وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" "ركعتان يركعهما العبد في جوف الليل الأخير خير لـه من الدنيا وما فيها ولولا أني أشقّ على أمتي لفرضتها عليهم " وقال أبو عبد الله إن البيوت التي يصلى فيها بالليل بتلاوة القرآن تضيء لأهل السماء كما تضيء نجوم السماء لأهل الأرض وقال (ع): عليكم بصلاة الليل فإنها سنة نبيكم ودأَب الصالحين قبلكم ومِطْردة الداء عن أجسادكم.